lundi 30 avril 2018

حاكم وهران وبايلك الغرب الجزائري أبو عثمان محمد بن عثمان الكبير – الباي لكحل- ج3


حاكم وهران وبايلك الغرب الجزائري
أبو عثمان محمد بن عثمان الكبير – الباي لكحل-
1797-1779/1212-1193فترة حكمه
ج3

صفاته :
إعتمدنا في بيان ذلك على المخطوطات التي تركها المقربون للباي محمد الكبير ،وهم ابن سحنون الراشدي، وابن زرفة ،وابي راس الناصري،كما استعنا بشهادة ابن رقية التلمساني صاحب الزهرة النائرة وحتى الكثير من المؤرخين الأوربيين يقرّون في كتاباتهم الصفات الحميدة للباي ولا يبدون شكوكا أو إنكارا.
والغرض من دراسة صفاته اكتشاف
جوانب شخصيته كحاكم متنور في عصر الأنوار بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وإدراك مستوى النجاح الذي يمكن آن يحققه المرء في حياته عندما يربط بين علمه وأخلاقه،فكما قال الشاعر حافظ إبراهيم: 
ولاتحسبن العلم ينفع وحده. مالم يتوج ربّه بخلاق
وعليه نحاول حوصلة مااشتهر عليه الباي محمد من صفات وخصال كالآتى:

1-الإلتزام بتعاليم الشريعة الإسلامية:
تشبع الباي محمد الكبير بتعالييم الإسلام، فالتزم بأحكامها ، وإليكم النصوص التاريخية الدالة على ذلك:
لقد كتب ابن زرفة في موضعين مايلي:« ذاك أمير المؤمنين ...المحفوظ بسير السور والآي ، أبو الفتوحات السيد محمد باي» ، ثم « فأنت ترى وقوف هذا السيد الأمير ...مع السنّة في كل أفعاله، وجريانه على منهج الصحابة الكرام في أقواله….» ويمكن لنا إبراز بعض المواقف التى يمكن تعزيز ماذهبنا إليه كالآتى:
- الإلتزام بالشورى:
لم يكن للباي محمد وزير أو مشير،لأنه كان أعرف بني ملته في عصره ،لكن لا يعني ذلك أنه تجاوز مبدأ الشورى الذي نصّ عليه القرآن الكريم،بل كان يشاور العلماء والصلحاء في معضلات الأمور ، وعبّر عن ذلك بوضوح كاتبه ابن زرفة: « وهذه سنة سيدنا الأمير ….مانزلت معضلة إلا جمع عليها العلماء ، من أهل بلده والصلحاء، فحصلت له بركة الديوان المذكور، ويسّر الله تعالى له جميع الأمور».

- إحترام أهل الذمة وأهل الصلح: 
حفضا لذمة الله ورسوله، كان يعيش أهل الذمة (يهود و نصارى) وآهل الصلح في إيمان في حدود إيالته،فلا ينالهم منهم مكروه ولا يمسهم سوء ، بل العكس يتعرض ويعاقبكل من يتعرض لهم ، ما دام أهل الذمة يدفعون الجزية ، ومادام أهل الصلح ملتزمين بشروط الصلح ، ويكفي أن نتابع معاملته للأسرى المسحيين ، ولليهود ، وللإسبان عقب إبرام إتفاق الجلاء المشروط من وهران فى 12 سبتمبر 1791م.
- الصفح عن المذنبين التائبين : 
- من خلال تتبع غزوات الباي محمد بن عثمان ، لوحظ أنه كان يصفح عن المارقين بمجرد أن يتوسلوا إليه طلبين عفوه ، كما كان يصفح عن الطلبة المرابطين حول وهران إذا صدر منهم إثما ، وعلينا أن نعي أنه كان لا يصفح عن المذنبين المعاندين مثلما وقع لأحد المغاطيس الجزائريين المسجونين ، حيث أمر الباي محمد بضرب عنقه أي قطع رأسه ، ليبقى عبرة للمعتبرين عندما عزم على مخادعة الباي بمعرفته لأصل ماء وهران مقابل تسريحه .

- الوفاء بالوعد والتعجيل بالمعروف :
- ذكر صاحب الجمانى أنه كان « كثير الوعد بالخير منجزا له ، لا يماطل موعده ، ولا يسوف بهباته وعطاياه ». فكان يعجّل الوفاء بوعده، ويجعل أيضا المعروف دون وعد به، واهتمامه بالفقراء والمحتاجين وطلبة العلم والمرابطين حول وهران ، خير دليل على ماتمّ ذكره ، ويمكن استبيان ذلك لاحقا.

- الجود والسخاء : 
- اشتهر الباي محمد الكبير بكرمه وجوده وكثرة عطاياه في حدود بايليكه أو خارجه في كثير من المناسبات ،وما يلفت الإنتباه آنه سخي في الأزمات التي كانت تصيب الغرب الجزائري ، من جدب وقحط وجوع ووباء وفي ذلك كتب ابن سحنون « ...يولى العطايا الوافرة ، ويشمل بها سائر الناس عند المحل والجدب الشديد .» كما كان سخيا في العطايا الجهادية، فمثلا أجزل العطاء وهو خليفة للباي ابراهيم أثناء التصدي لحملة "أوريلي" الإسبانية عام 1775م ،وأفاض أيضا على المحاصرين لوهران مالا كثيرا دون أن يتلقى مساعدة مالية من الداي محمد آو حسن فكما ذكر ابن سحنون آنه كم من فقير صار غنيا بسبب مشاركته في تحرير وهران . وكانت الأعياد الدينية فرصة للباي ،يغتنمها لإفاضة إحسانه على أئمة المساجد والمؤذنين وعلى جميع طلبة المساجد والمشتغلين بتعليم الصبيان والقراء . ويبدو أن ابن سحنون بالغ في وصف سخاء الباي محمد ، إذ رأى أنه كان يحسن إلى الناس دون إقتداء بغيره ، حتى أنه يميز بين المحسن الحقيقي والمحسن المعاند ، ويعتبر الأموال عند الباي بمثابة التراب ، لا تساوي شيئا ، إ لا أنه يظهر لنا أن الإقتداء بالغير فيما ينفع العباد صفة نبيلة ،وأعتقد أن الباي محمد تأثر بكرم وجود شيخ وهران "إبراهيم التازي" الذي ورد عنه مايلي : " وقد كان أصحابه يعاتبونه على كرمه وإسرافه الذي ليس له نهاية ، ويقولون له فعلك هذا يهوّل أمرك إلى ضرورة الفقر ، فمان يجيبهم .....ألم تعلموا أن الكرم شيمتي ولا قدرة لي على تركه "، ثم يستطرد الكاتب المجهول الإسم على لسان إبراهيم التازي كاتبا: " الكريم جمع الناس عياله ، والبخيل ليس له عيال ولا حبيب حينئذ ....".

2- الدفاع عن الإسلام : 
تعرض الباي محمد الكبير إلى كل من أساء إلى الإسلام قولا وفعلا ، سواء كانوا يهودا أو نصارى أو منافقي الأمة الإسلامية ، وضبطنا عبارتين تصبان في هذا السياق ، فقد كتب ابن سحنون ما ياي :" وأما من كان معاندا للشريعة الإسلامية محادا لله ورسوله خارجا عن الطاعة فإن فيهما له أهراق دمه وسفكه وكشف حرمه وهتكه ....." ،. وأخبرنا ابن زرفة عن شخص إسمه " الطبال ، إتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقمار ، فحبسه وقيّده الباي محمد الكبير .
واشتهر الباي بمجاهدته للاسبان و الجزائريين المتعاونين معهم ’ وحرص أشد الحرص على تحرير وهران وارجاعها إلى حظيرة بلاد المسلمين.

3- الحزم والشجاعة : 
اتصف الباي محمد الكبير بحزمه في قمع حركات العصيان الداخلية ومحاربة العدو الإسباني ، وقد تطرق مقربوا الباي في كتبهم لحزمه وشجاعته ، فقد كتب أبو راس الناصري : " لا يترك أمرا يرجى نجاحه وطرق التوصل إليه غير سهل حتى يزاوله بالسيف والخيل والمزاولة والمعالجة والمحالة" . أما ابن زرفة فذكر مايلي :" ما توجّه لحدّ عسكره إلا فله ، والأرض قفلا صعب فتحته إلا حلّه ، ولا رمى غرضا إلا أصابه ....." وكتب ابن سحنون : " وأما شجاعته فإنما أمر تذل به الأسود .....وغزواته كلها من بعض دلائلها ، وبراهين مسائلها ".
وحتى ابن رقية التلمساني ، كتب في زهرته النائرة حول شجاعة محمد بن عثمان لما كان خليفة لباي الغرب في يوم الحراش عام 1775م ، فذكر : "لأن الخليفة كان ذا شجاعة ، عارفا بمكائد الحرب ومقتحما لأهواله ، شديد البأس له جرأة على الإقدام على العدو ، يقدم عليه بنفسه، يفعل في يومه ما لم يفعل به في أمسه ، صابر المقادر ، لكونه رجل شاطر......".
وقاده حزمه وشجاعته وإقدامه إلى أن أصبح مهابا بين الأعيان والعلماء والعامة وهو ما عبّر عليه صاحب الثغر الجماني في موضعين :" في حال كونه ذا مهابة .....لا تطيق العيون تملأ بالنظر إليه " ثم :" ماظهرت في الملك ثلمة إلا سدّها ولا عليت في الشقاق ريبة إلاّ هدّها ، حتى ملئت القلوب بهيبته".

4-الخبرة الحربية :
تمكن الباي بفضل حنكته العسكرية وخبرته أن يظفر بثقة جيشه وديوانه وقبائل الغرب الجزائري والحكم المركزي ويحقق انتصارات ضد القبائل العاصية والعدو الإسباني وأعوانه حتى صارت القوة والغلبة أحد صفاته ، فكان ابناء عصره يعلمون في كل منازلة عسكرية يقوم بها الباي ، أن الدائرة تكون له على غيره لثبوتها له في سائر الوطن سواء كانت داخل البايليك الغربي أو خارجه ضمن ربوع القطر الجزائري.
وتتحلى مظاهر خبرته الحربية في مداومته لغزو القبائل العاصية حتى أطاعت ودفعت اللزمة السنوية دون انقطاع ، وفي طريقة تسييره لعمليات تحرير وهران ، فقد استوعبت آليات حرب الإستنزاف ضد العدو الإسباني بوهران ، وضبط أهدافها ، وبرع في نسج الكمائن وإقامة الحصار وحفر الخنادق ونصب المتارس ، ولم يحاول اقتحام وهران إلا بعد أن خربت بفعل الزلزال في أكتوبر 1790 وبعد تلقي المعلومات الكافية عن الشؤون الداخلية للإسبان بوهران.
ولوحظ تفوقا في طريقة توزيع الجنود ، وتغيير مواقع المدفعية أثناء مباشرة القتال ، ومداومة تجدد الحماس لدى المجاهدين إعتمادا على خطب العلماء ، دون إغفال دور المال ووصول المؤونة الغذائية شهريا.
وقد شهد له صاحب الزهرة النائرة بتعبيلر صريح ، أنه كان عارفا بمكائد الحرب التى يمكن أن استقاها من تجربة والده عثمان وكفيله الباي ابراهيم وربما الباي الحاج خليل وشخصيات عسكرية أخرى نجهلها ، دون إغفال دور المخطوطات العربية في الشؤون العسكرية مادام أن الباي قد حرص على جمع نفائس الكتب واستنساخها .

5- الحلم :
ذكرت المصادر التاريخية المعتمدة مواقف الباي محمد التى تعبر بوضوح عن حلم يليق بالحكام ، فقد كان الباي يكشف كل أمر صعب ، مبهم العواقب ، وأظهر ثباتا في المآزق ، وحجته قوية ومقنعة ، فقد روي عنه ثبات الجأش عند غزوه لأولاد الشريف لما كان خليفة على القطاع الشرقي للغرب الجزائري سنأتي لإلى توصيحها لاحقا . وعقب زازال وهران سجلنا موقفا يعبّر عن حلمه ، إذ طلب منه مجلسه أن ينتهز فرصة الزلزال للإنقضاض على الإسبان ، فرفض تسرعهم وأخذ يتدبّر عواقب الأمور مبرزا لهم بحجة قاطعة أن الحرب خدعة ولا يمكن له أن يخاطر بنفسه والناس على مقاس الصدفة ، وكأنه في هذا الموضع يستفيد من الخطأ الذي ارتكبه الباي شعبان الزناقي عندما واجه الإسبان مواجهة مفضوحة ، فكلفه ذلك أن قتله أحد مغاطيس بني عامر ، وقطع الإسبان رأسه .وقد عبر ابن سحنون الراشدي على حلم الباي محمد الكبير كالآتى : "وأما حلمه فأمر شهير لا يحتاج في إثباته إلى سفير " ، بمعنى أن أعماله التى سندرسها لاحقا تفسر حلمه.

------------------------------------------
الأستاذ الدكتور بلبروات بن عتو رسالة ماجستير-2002 – 
الباي محمد الكبير ومشروعه الحضاري 1779 -1797 .

حاكم وهران وبايلك الغرب الجزائري أبو عثمان محمد بن عثمان الكبير – الباي لكحل- ج2




حاكم وهران وبايلك الغرب الجزائري
أبو عثمان محمد بن عثمان الكبير – الباي لكحل-
1797-1779/1212-1193فترة حكمه
ج2
تكوينه
جمع الباي محمد الكبير بين العلم والفروسية تماشيا مع مزاج عصره، الأمر الذي جعله في مستوى حاكم مؤهل لقيادة وإدارة شؤون رعية بايلك الغرب في الرابع الأخير من القرن الثامن عشر، وتفاصيل ذلك كالأتي:
تكوينه العلمي
لا نصادف مؤرخا جزائريا أو أجنبيا ينفي غزارة علم الباي محمد الكبير، فقد وصفه الخزندار "تدينا" أنه أعرف بني ملته، ويشهد له ابن سحنون وابن زرفة بمستواه العلمي العالي وثقافته الواسعة ، ويمكن لنا أن نستوحي ذلك مما كتبه ابن زرفة أنه لما عزم على تقييد رحلته القمرية ، دخل على مجلس الباي وطلب منه كتبا يستظهر بها ما هو عازم على فعلته، فزوّده من خزائن كتبه ما يعزّز فصول الكتاب الذي يقيّد أحداث ووقائع فتح وهران الثاني . ومن خلال مضمون الرحلة القمرية يظهر لنا أنه أمدّه بكتب فقهية ومصادر التاريخ الإسلامي المبكر ، وما يبرهن على مستواه الثقافي الرفيع ، محاولاته الإصلاحية المتعددة خاصة في المجال الثقافي وعلاقته الطبية ومعاملته الحكيمة بالمتصوفة والعلماء ، وسيأتي تفصيل ذلك لاحقا.
ولا تدلنا المصادر إلى شيوخ أو مدرّسي الباي محمد الكبير، سواء في المدية أو في معسكر ، لكن يتراءى لنا مادام ينحدر من أسرة عثمانية حاكمة ،فإنه لا يشّذ عن المتعارف عليه، إذ عادة ما يتلقى أبناء الحكم تعليما في القصر ، ويتكفل الحاكم أو الوالد باختيار أحسن المدرّسين علما وأخلاقا ، ويحدد له البرنامج التعليمي والأهداف التربوية المتوخاة ، ويأمره بالسعي في تنفيذها والالتزام بها، مع إبقاء المتابعة ، لأنه يريد ولدا قادرا على فهم كنه السياسة وفن الحكم.
بهذه الكيفية ، نتصور أن الباي عثمان الكردي ومن بعده الباي إبراهيم إهتما بتكوين الباي محمد الكبير وسائر أفراد العائلة في المدية ثم معسكر عقب انتقال الباي ابراهيم إليها ، وحتى الباي محمد الكبير كلّف ابن سحنون الراشدي بتدريس ولده عثمان بقصره في معسكر.
وإذا كان ابن سحنون الراشدي لا يلمّح إلى دور مدينتي مليانة والمدية في نشأة وتكوين الباي محمد في صباه ، فإنه يقر بدور معسكر في نشأة الباي دون إيضاح ، إلا أنه يمكن لنا أن نشخّص الجوّ الثقافي للمدينة بإعتبارها عاصمة لبايلك الغرب الجزائري في عهده ، حتى يتسنى لنا اكتشاف مدى تأثير مدينة معسكر كحاضرة من حواضر الجزائر في تطور الرصيد العلمي والثقافي للباي محمد، فقد اعتبرها المؤرخون إحدى قلاع العلم والثقافة زيادة على قلاعها وحصونها العسكرية ، وقد زاد في أهميتها سهل غريس الخصب الواسع ، وسكانها بنو زروال ، وبنو توجين ، والمغراويون، وهوارة.....لذلك استقطبت معسكر والوطن الراشدي على العموم عددا كبيرا من العلماء والفقهاء، وقادة الجهاد ضد الإسبان بوهران، ومايميز الحياة العلمية في معسكر ، عائلات توارثت العلم أبا عن جد ، وكذا الوظائف العلمية كالقضاء ، والإفتاء ، والإمامة ، والخطابة، والتدريس ، ومن ضمنها : عائلة الخروبي ، وعائلة المشارف ، وعائلة بن بروكش ، وعئلة أبي راس الناصري ، وعائلة ابن التهامي ، وعائلة الشيخ مصطفى ، وعائلة الشرفاء البشيريين بالوادي المبطوح قرب سيق.
واهتمت هذه العائلات بتأسيس الزوايا ، ومعاهد العلم للتعليم ، والإقراء ، والإفتاء ،فمثلا أسّس الشيخ عبد القادر المشرفي ، مؤلف كتاب "بهجة الناظر..." معهدا علميا وزاوية في مسقط رأسه بالكرط ، وأسس الشيخ مصطفى بن المختار الغريسي ( حدّ الأمير عبد القادر) زاوية ومعهدا بوادي الحمام عام 1206هـــ /1791-1792 م .وتصدّى للتدريس وتلقين ورد الطريقة القادرية ، ووظف فيها علماء أجلاء مثل شيخه المشرفي ، وكان من بين تلاميذه ومريدي طريقته القادرية "الباي محمد الكبير "
ولا نستبعد أن الباي محمدا جالت نحو مصر والحرمين الشريفين ، وخالط علماءها وأخذ عنهم ما وسّع مداركه العلمية ، وربما كان ذلك في إطار أداء فريضة الحج ، لأننا ضبطنا أنه كانت له علاقة طيبة بشيخ جامع الأزهر في عهده السيد أبو الفيض المرتضى الزبيدي ، وبالشيخ محمد الأمير ، وبالحرمين الشريفين ، كما نتوقع أنه زار إيطاليا ومكث بها مدة من الزمن كان يتقن اللغة الإيطالية .
ونختم حديثنا بمحاولة تصور عناصر ثقافته المتعددة والمتنوعة ، فإذا لم يشذ عن الإتجاه الثقافي لأبناء عصره الذي تطغى عليه الصبغة الدينية ، فإنه تفتح على علوم أخرى ، فكان ابتداء تكوينه كما جرت العادة فيما يخص التربية الإسلامية هو دراسة العلوم الشرعية من خلال حفظ القرآن الكريم ودراسة أحكامه وقراءة الفقه، وحفظ وفهم مختصر الشيخ خليل معنى ولفظا ، مع دراسة اللغة العربية بالتركيز على دراسة ألفية ابن مالك وما يتصل بذلك من بلاغة وعروض ونحو وصرف ، واتسعت معارفه بدراسة المصادر التاريخية خاصة المتعلقة بالتاريخ الغسلامي ، إلى جانب اهتمامه بالشعر والادب ، إذ كان يقصده الشعراء والادباء ويجزل لهم العطاء إذا قدموا له عملا شعريا أو أدبيا ، ويشهد ابن سحنون الراشدي أن الباي محمد كان أدبيا جليلا ،ناهيك عن معرفته لأمثال وحكم العرب ، والمخطوطات العسكرية وكذا الطب إذ يروي ابن سحنون أنه كان يعالج الفقراء من الناس في منزله ، ويعد لهم بنفسه الدواء ، كما أمر بجمع ماكتب في الطب .ولاتعرّفنا المصادر التاريخية بمصادر الباي محمد في ميدان الطب، علما أن تعليمه كان محدودا جدا لأن وسئل تعليمه كانت محدودة ، ولايمكن تدريسه في المساجد أو الجوامع .كما أنه لاتوجد إشارة إلى إمكانية ممارسته للجراحة ، فكل ما ورد أنه كان يحسن تحضير الأدوية بالأعشاب.
وكشف لنا الأسير الفرنسي "تدينا" عن مكاسب لغوية أخرى للباي محمد، ونقصد بذلك إتقانه للغة الإيطالية وقدرته على التكلم باللغة الفرنسية دون إتقان ، ولا نغفل أيضا تحكمه في اللغة العثمانية –لغة الإدارة العثمانية بالجزائر – وتطلب تطلعه إلى إدارة دواليب الحكم في البايليك الغربي ، اشتغاله في الإدارة في عهد الباي ابراهيم سواء في المدية أو في معسكر ، ليتم تقليده منصب قائد فليتة بزمورة –ناحية غليزان- ليمارس إدارة شؤون رعية هذه ، ويكتسب خبرة إدارة عززت بترقيته إلى منصب خليفة الباي في القطاع الشرقي وقاعدته مليانة، وصار يدير الامور بكل ثقة وأهلية إلى أن إختاره الداي محمد عثمان بايا للغرب الجزائري.
تدريبه على الفروسية
من عادة العائلات الارستقراطية في الجزائر العثمانية سواء كانت عائلات عثمانية حاكمة أو عائلات مخزنيه موالية ، تدريب أولادها على ركوب الخيل والمشاركة في السباق وتعلم الرماية والمطاردة أي ممارسة الفروسية ، وفي هذا الصدد، تلقى الباي محمد بن عثمان تكوينا ، فقد امتطى الخيل الأصيل وهو صبي ، ونشأ على محبة ذلك.
وقد أفرد ابن سحنون الراشدي في مؤلفه "الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني" صفحات حول ركوب الخيل، فسمح فيها إلى أن الباي محمد ، فضل إمتلاك الخيول العتيقة وركوبها وهي الخيل الجيدة غير المهجنة ، إذ كان الباي لا يتخيّر ركوب خيل ما، حتى يتيقّن من قوته وتفوقه على سائر الخيل في السباق ، وفسّر ابن سحنون حرص الباي محمد على امتلاك وإمتطاء الفرس الأصيل القوي والسريع بما جرى على لسان أهل الفكر والسياسة : " ...وقالوا : يجب على الملك ألاّ يخلو من خمسة معاقل يتحصّن بها ، أولها وزير صالح يتحصّن برأيه ، وثانيها سيف قاطع يتحصّن بحدّه ، وثالثها فرس سبق يتحصن بظهره إذا لم يمكنه الثبات ، ورابعها امرأة حسناء يحصّن بها فرجه وبصره، وخامسها قلعة منيعة يتحصن فيها إذا أحيط به".
وإذا كان هدف الباي محمد بن عثمان من تدريبه على الفروسية ، مطاردة العدو الإسباني بوهران والقبائل العاصية وإقحام ساحة القتال عندما تستدعي الضرورة ، فإنه كان يخرج بخيله الاصيلة وأعضاء ديوانه وجنده إلى الصيد البرّي في وقت السلم ، فيتوغل في الفلوات والمناطق صعبة التضاريس مطاردا للحيوانات المتوحشة ومصطادا للطيور الجارحة ، مبتغيا جملة من الفوائد منها: مداومة فروسيته والنزهة، وكتب ابن سحنون الراشدي أنه إذا أظهر له حيوان آخر ، ترك الاول الذي أجهده ، وشرع في مطاردة الثاني ، ويفعل به مثلما فعل بالأول ، وهكذا دواليك.
وبالتالي ، يظهر لنا أنه لم يكن غرض الباي محمد بن عثمان صيد الحيوانات المتوحشة بل مجاراتها للإختيار مدى قوة وسرعة خيله، وترويض نفسه على المحاصرة والتضييق واقتحام المسالك الصعبة التى يسلكها الحيوان الطريد ، وعادة ماتكون منحدرات ومرتفعات.
وكان الباي يختار مواطن الصيد بناءا على ثلاثة عناصر تستقطب الحيوانات المتوحشة وهي : بُعد منطقة الصيد عن التجمعات السكانية ، توفر الكلاء والعيون المائية ، وذكلر لنا ابن سحنون أن الباي محمد كان يطارد " الأيل" الذي من طبائعه أنه يأوي إلى الأماكن العالية الوعرة ، و"الربرب" وهو قطيع بقر الوحش ، و " الضباء " ، وذلك بعد مفاجأتها علما أنه كان يتفادى اصطحاب الكلاب السلوقية حتى لاتفزع الحيوانات بنباحها، ويضيع منه كل ما يبتغيه من مطاردة وترويض ، وما الجدوى من كلاب في عملية صيد تبعد القنص من مراميها ؟.
وعليه ، إن الخروج للصيد ، سلوك وطيد الصلة بممارسة الفروسية ، ومنافعه عديدة كشفت عنها الكثير من المفكرين، نوردها كالآتى :
-صحة للبدن : روي عن عمر بن الخطاب أنه قال" لن تخور قواكم مانزوتم ونزعتم" ، ويعني ذلك أنه من يداوم الخروج إلى الصيد وركوب الخيل لن تضعف قواه ، لأن الصيد في لغة العرب هو الركوب والجري والرمي، وهذه حركات تذيب الشحم ، وفي الوقت نفسه ، يسلم الجسم الجسم من داء النقرس ، وهو مرض مزمن يصيب الملوك في أرجلهم نظرا لمداومتهم للجلوس والترف دون ممارسة الرياضة .
-تمرين الخيل : الصيد وسيلة لتمرين الخيول والعناية بقوتها وسرعتها حتى تكون مهيأة باستمرار للمهمات الصعبة ، خاصة أن الباي محمد كان يجابهه تحديا وهو اجلاء الإسبان من وهران.
-اكتساب فن تدبير امر الحرب والتمرن على ركوب الخيل والمطاردة وطلب الاعداء والخصوم وتذوق لذة الظفر ، وتعلم اقتحام المصاعب وركوب الشدائد حتى قيل أن الصيد يحدث الشجاعة ويقطع عروق الجبن.
-معالجة الحزن والسقم والإبتعاد عن الرذائل وإغلاق باب " القيل والقال".
-إثارة الذكاء والدهاء واستراحة الفكر والنفس من العياء المستديم ، واكتساب القوة والشدة.
-كسب الغذاء الحلال : أحلّ الله غذاء الصيد حيث قال  يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ).
ولاحظنا أن الباي محمد الكبير خرج إلى الصيد البري في وقت الغزو ، أثناء وجوده بين قبائل الهضاب العليا في الجنوب المتمردين على الحكم العثماني ، وأثناء تأهبه لدخول وهران، وحينئذ يتبيّن لنا جليا أن الخروج للصيد فرصة لإستطلاع المناطق ولإستكشاف خباياها ، فيعد ذلك إحدى ضرورات الإنتصار على الخصم أو العدو.
وما أثار انتباه المؤرخين الجزائريين والاجانب ، أن الباي محمدا كان حاكما عثمانيا متنورا ، ومفكرا وفارسا بارعا وهاويا متميزا وذا أخلاق فاضلة وصفات حميدة جرى الحديث عنها على لسان الجزائريين خلال القرن التاسع عشر، ورغم صيغ المبالغة التي ميزت كتاب الثغر الجماني لابن سحنون الراشدي في هذا الشأن إلا أنها لا تخلو من الحقيقة التاريخية.
------------------------------------------
الأستاذ الدكتور بلبروات بن عتو رسالة ماجستير-2002 –
الباي محمد الكبير ومشروعه الحضاري 1779 -1797 .

أبو عثمان محمد بن عثمان الكبير – الباي لكحل-


حاكم وهران وبايلك الغرب الجزائري

أبو عثمان محمد بن عثمان الكبير – الباي لكحل-
1797-1779/1212-1193فترة حكمه

تحقيق الأستاذ بليل حسني وهواري حاج.

ولد الباي أبو عثمان السيد محمد بن عثمان بن إبراهيم الكردي المعروف عند الناس قديما بالباي لكحل بمليانة، ما بين 1734 و1739 م و ينحدر من السلالة الكردية المستقرة بتركيا ودام حكمه بصفته بايـا من 20 جمادى الثانية 1193 هـ إلى 25 جمادى الأولى 1212 هـ / يونيو 1779 م إلى نوفمبر 1797 م. 
الذي قيَّضه الله لفتح وهران وأرشده إلى السَّعادة والغفران ,الممتطي منصَّة الرِّضوان ،ومشيد راية الإسلام والإيمان،و باسط مهد العدل والأمان، أتحفه الله برضاه، وجدد له اللُّطف وأمضاه، تولى سنة 1192,هـ على الصَّحيح فكان رحمه الله من أهل البلاغة واللِّسان الفصيح فهو ثاني ملوك العثمانية خلافا لما في كتاب أنيس الغريب من أنه هو أولهم وتلك القولة غير جالية،وبه رفع ذكرهم،وانتهى إليه خيرهم ،فلقد دوَّخ الأتراك والأعراب،وهابته الأباعد والأقارب،وذلت له الملوك والجبابرة،وخشيته الفراعنة والأكاسرة،وأطاعته الرعايا، وخصَّت به المزايا، ووفدت عليه الوفود، ودارت به العساكر والجنود, فحاصرمدينة وهران، وضيق عليها من كل فجٍّ نزهة الزَّمان, ودام عليها إلى أن فتحها صبيحة الاثنين خامس رجب، سنة ست من القرن الثالث عشر دون ثلب 
مواصفاته الجسمية:
وكان رجلا جسيما بالتَّجدير، أسمر اللَّون لا بالطويل ولا بالقصير.
مواصفاته الخلقية:
تتفق المصادر كلها علـى أن الباي محمد الكبير كان يتحلى بصفات خلقية حميـدة محبا للعلماء والصُّلحاء والفضلاء والأدباء، والشُّجعان والنبلاء، قريب الغضب، سريع الرضا، شديد الأوامر والامضا للشورى ملازم. يوفي لأهل الذمة ذمتهم .
تدرجه في الحكم
شرع الباي محمـدا بن عثمان فور توليته في إثبات قدرته على تسيير بايليك الغرب، وسعى إلى التجاوب مع النهضة التي أخذت تحياها أيالة الجزائر، في مختلف مقاطعاتها الإدارية، ورأى أنه لا يتسنى له ذلك إلا بقوة ديوانه وإدارته وجهازه القضائي والعسكري، ومن ثمة راح ينظم ديوانه معينا مقرّبيه ممن تتوفر فيهم الكفاءة والتقوى في المناصب الإدارية الحكومية الهامة، وكذا منصب القضاء الذي تعكس قوته، قوّة حكم الباي، وما تتشييده للمحكمة بمعسكر إلا دليلا على إهتمامه بالقضاء والقاضي معا. ولما كانت تنتظره تحديات عسكرية، فقد أولى اهتماما كبيرا بالجيش سواء كان في شكل فرق إنكشارية أو مجموعات مخزنية ﴿ الزمالة والدواير﴾ ولم تخبرنا المصادر أن فتنة عسكرية وقعت في عهد الباي محمد الكبير، بل بالعكس كان هذا الجيش وراء جميع النشاطات العسكرية التي حركها الباي ضد الإسبان بوهران والقبائل العاصية ببايليك الغرب أو خارجه.
ترحاله وغزواته وفتوحاته :
كثير الغزو على أهل الصَّحراء، دائم الارتحال والإسراء، ففتح بني الأغواط والشلالة وعين ماضي ومزابا وأبا الضروس، ونزل شراعة، وهمَّ بفتح بني يزناسن وأبيعروس وبلغ مبلغا لم يبلغه أحد من ملوك الأتراك، ووصل المواضع التي صعبت على غيره، وسهل عليه بها الإدراك وأعظم فتوحاته فتح وهران التي صيرها الله على يده للمسلمين دار إيمان وأمان، ولما فتحها وارتحل إليها للسكنى قصدته الأدباء بالشِّعرالأسنى، فمن ذلك قصيدة العلامة السيِّد المصطفى بن عبد الله الدّ حاوي المارة أول الكتاب ومنها قول الحافظ أبي راس في الحلل السندسية البارعة الانتخاب:
فردَّ ربُّنا الكرَّ ة عليها لمّا قضينا دينا منها قد كان في تنس
بجهبذ شمّر للحرب متزرا بحلل النصر ومرتد بالربس
ومنها قول الحافظ المذكور:
خليلي قد طاب الشراب المورد لما أن صار الأمر بالثغر يقصد
واجفت رحل الوافدين أم عسكر وقد كان مأوى للوفود ومقصد
... الخ
وقال الحافظ أبو راس في منظومة أخرى:
سلطان وهران ما خُيِّب قاصده زهت به وعلت أقاليم الأمم
شد قواعدها بحزمه فغدت مكفولة به لم تيتم ولم تيّم
يرثها أولاده بعده أبدا كإرث آل شيبة مفتاح الحرم
فالدنيا ألبست إليها بطلعته رشيدها الثاني جاءت به للعلم
عم بإحسانه بدوا وحاضرها كالغيث للهضبات يروي والأكم
في قبة من نوى قد شيّدت عن حسب وجعفر بن يحيى بها من الخدم
وابن أمامة وابن سعدى تابعه وحاتم وأبودلف مع هرم
تعودت كفه بسط الحسام فلو أراد قبضه لم تعطه بل تهم
سار مسير زحل في منازله وهب كالريح في الأراضي والأطم
شمس بدت في أعلى الأفق ساطعة أضاءت الخلق من عرب ومن عجم
ملوك أقطار الأرض هم كواكبها شعاع أنواره وأراهم كالظلم
بشرى فقد أنجز الإقبال موعده بالكوكب السعد لم يفل ولم يرم
ذو المفاخر أعيته مآثره من دون أدناها وقفوا على العدم
قال الحافظ أبو راس فيعجائب الأسفار عقب هذه القصيدة » : ولما أنشدت مثلها على هذا الروي بين يدي شيخنا سيدي محمد بيرم مفتي الحنفيَّة بتونس، وذكرت فيها البدو كهذه، وكنت كسرت واو بدو ونوَّنته في ظني أنه منقوص، فقال لي:أنصبه فليس هو من الأسماء المنقوصة، فقلت له: رأيته مرّات بالياء، فقال لي: لعلَّ الياء التي رأيتها فيه جيء بها للنسب، فتنبهت مِن الغفلة عن هذا الأمر المعلوم كانتباهي من النوم.
يتبع.....

قاضي أم العساكر الطاهر بن محمد الموفق المستغانمي


أول شهيد في الفتح الثاني لمدينة وهران سنة 1792م
قاضي أم العساكر الطاهر بن محمد الموفق المستغانمي

تحقيق : الأستاذ بليل حسني وهواري حاج
لقد دفعت مدينة المحروسة ثمنا باهضا ، وهو دماء الشهداء من أجل تخليصها من براثين الإستدمار الإصبنيول- أي الإسبان- الذي دام قرابة ثلاثة قرون، ولم يتم تخليصها منه إلا بفتحين متقاربين ، ولولا بسالة المجاهدين الأوائل الذين قدموا من جميع ربوع الوطن وخاصة الإيالة الغربية لبقيت المحروسة وهران تحت أيديهم إلى يوم الناس هذا كما هو الحال في سبتة ومليلية المغربيتين ، وأول شهيد في الفتح الثاني للمدينة هو القاضي السيد الطاهر بن حوا ، وليس هو الطاهر بن حواء الشاعر الذي وجد في عهد الأمير عبد القادر كما قد يتصوره البعض.
نسبه :
الطاهر بن محمد الموفق المشهور بأمه حواء بن محمد بن قدّار بن الجيلاني بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عمربن عيسى التوجيني نسبا
تعلمه : أخذ علومه ومعارفه هو وأخوه سيدي عبد الله بن محمد النسب عن شيوخ مستغانم وعلى رأسهم أخوهما الشقيق العلامة، الفقيه، الأديب، المؤرخ،الناظم محمد بن محمد الموفق بن حوا النسب الشهيربالرقيق صاحب "سبيكة العقيان فيمن في مستغانم وأحوازها من العلماء والأعيان" وغيرها من المؤلفات ، وعن والدهما من قبل الشيخ محمد بن حواء النسب صاحب الغوثية الكبرى .
معارفه : كان عالما بالفقه ، عارفا بالنظم ، متمكنا من العقود والوثائق ، مدرسا لجميع الفنون التي تلقاها عن علماء مستغانم.
وظائفه : تولى القضاء بأم العساكر-معسكر- وكان في نفس الوقت يدرس العلوم العقلية والنقلية .
مميزاته : وصفه العلماء بأوصاف حميدة منهم أحمد سحنون الراشدي صاحب الثغر بقوله : العلَّامة الأديب، الدَّراكة الأريب، فارس حلبة العلوم، ومُقدم أهل المنثور والمنظوم، ومِقدام ميادين الحروب، المنفس على رفقته شدائد الكروب، السيد المشذب، المخصوص بالطبع المهذب، محبنا الأصفى، وخِلُّنا الأوفى، قاضي بلدنا السيد الطاهر بن حوا، جمعنا الله به في جنة المأوى.
من نظمه : وقد وجد من بعض نظمه في تاريخ الجماني الذي كان تلقاه منه الشيخ أحمد بن سحنون حين تفضل عليه بهدية أحد تآليفه في الأدب أيام الصِّبا المعروف بعقود المحاسن
كتاب عليه رونق الحسن بادي ومحكم نظمه أغاظ الأعادي
بديع بليغ ليس يوجد مثله بكتب أئمة القرى و البوادي
حوى ما حوى مما يروق ذوي النهى ويجلو الأوار عن قلوب صوادي
عليه به ذو همة أدبية ففيه له مغنى عن ابنٍ وزاد
وفيه له مغنى عن الكتب كلها وفيه له البشرى بنيل مراد
وكيف و كيف لا وجامعه أبو المكارم أحمد بن خير العباد



الراشدي إقليما المستغانمي منشأ وقرارا .
قدومه لوهران : لقد أعدّ محمد بن عثمان الكبير العدّة لتحرير وهران من الإسبان ، وخاف أن يبني الكفرة في مدة تجهزه بجبل المايدة ما يمنعه منهم، وهو من أكبر عوراتهم، ومحال مضراتهم، فظهر له أن يُوَجِّه له الطلبة يحمونه منهم، ويحوطونه عنهم، فدعاهم إلى ذلك ورغبهم في وافر العطاء، ومنع الناس من التدريس في المدن، وأن لا يكون تدريسٌ إلَّا في ذلك الجبل –جبل المائدة-، فانتدب لذلك جماعة منهم الطاهر بن وحوا، والشيخ أبو عبد الله السيد محمَّد بن الموفق بن محمَّد بن عبد الرحمٰن بن محمَّد بن محمَّد –فتحا- المشهور بأبي جلال ، والشيخ محمَّد بن علي بن الشارف المازوني المعروف بأبي طالب المازوني وغيرهم .
ظروف استشهاده :
وإن سبب القتال الأول الذي وقع بين جيش الطلبة وبين الإصبنيول هو فرار ثلاثة أشخاص كانوا سجناء في مدينة وهران عند الإسبان، قدم أحدهم إلى الطلبة في منطقة إيفري وأخبرهم بفرار رفقائه الإثنين فاجتهد إذ ذاك جيش الطلبة في البحث على الإثنين ،ومن الإتفاق أن الإصبنيول كان بعث أناسا في أثر الهاربين ، فالتقا الجمعان ووقع القتال الشديد بين الفريقين، فما كان إلا قليلا وإذا بالرصاص والبارود انقضى من أيدي الطلبة حتى آل أمرهم إلى أسوء حال ، وصاروا في ضيق شديد وكان العدو يترامي عليهم ويهجم عليهم بالقضب فالتزم الطلبة الدفع بالحجر، ولمّا بلغ هذا الخبرالمشؤوم الذي حلّ بالطلبة إلي القاضي السيد الطاهر على نصرتهم وبمجرد وصوله إليهم اختلطوا مع العدو واشتد القتال فأصيب القاضي السيد الطاهرساعة فراغ بندقيته على العدو برصاصة كسرت ذراعه ودخلت في بطنه وقد كانت جراحته مهلكة فحمل من ميدان المعركة وتوفي بعد يومين ليلة جمادى الأولى1207 الموافق 14 ديسمبر1792
أثر استشهاد القاضي على معنويات جيش الطلبة
هذا وأن نار الفتنة لم تطف بهذه المصيبة التي حلت بالقاضي بل أنها لم تزل موقودة الليل كله مع نزول المطر الغزير وموت الكثير منهم وهم في غاية الثبات وقد كان القتال يترادف من يوم هذه الواقعة-أي استشهاد القاضي- حتى أشرف الاصبنيول على العجز والفشل لأنه كان ملتزم الخروج من حصونه لرعي مواشيه فتضايق حاله ولم يبق له من الأرض غير الفسحة التي بين حصونه والبحر وما بقي كله تمكن منه الطلبة وعدد بليغ من الناس الواقفين على النهب الذين قدموا معهم وما كان يرى الاصبنيول غير الكمائن والمكايد وكلما حرس نفسه وتأخر إلى البلد-أي زحف راجعا إلى داخل المدينة- ازداد هجوم المقاتلين عليه.
للبحث مصادره

القاضي الطاهر بن السيد عبد القادر المشرفي


القاضي الطاهر بن السيد عبد القادر المشرفي
قاضي وهران وأستاذ بالمدرسة المحمدية بخنق النطاح
بعد عام 1252هـ/بعد سنة 1836 م
تحقيق : الأستاذ بليل حسني وهوالري حاج

هو الشيخ الإمام الباهر ، الجامع بين علمي الباطن والظاهر ، والخل الوفي أبو عبد الله محمد الطاهر بن عبد القادر بن عبد الله المشرفي المدعو بابن دح المشرفي المعسكري ثم الوهراني ، قاض، باحث، من فقهاء المالكية. تعلم بوهران وبمعسكر.
قال عنه شيخه : السيد طاهر بن السيد عبد القادر المشرفي لا زال محفوظا ملحوظا بلطف مولاه الخفي ، ذو الفهم الرائق ، والزهد الفائق ، درّاك الحقائق في المفاكرة ، عراك المحافل عند المذاكرة ،والمناظرة ، فإذا نقل لم يبق لقائل معه مقال ، وإذا بحث لم يكن لناظر معه مجال ، فتكلم الفقير معه في مسائل من الفقه، والتصوف ، وعلم الحديث ،والتفسير،وفن الكلام ، ببحث وتحقيق وفحص عن مشكلات وتدقيق ، فوجدته كالبحر الطّام ، فكشف لكل علم عن مخدرات أبكار معانيه من وراء الأستار، ورشف رضاب مصونات مغانيه واطلع على باطن الأسرار، ثم علا في ذلك من حضيض الإفادة إلى أوج العزلة والإنفراد عن أهل الزمان حين رأى فساده ، فصارهو الجوهر الفرد المراد ، بعدما حصّل الفنون ، وأجاد ، واستفاد ، وأفاد، من شيوخه : والده الشيخ العلامة ، النحرير الفهامة، الفقيه الأجل ، البحاث، له اشتغال بالتاريخ، من فقهاء المالكية في عصره ومصره ، أبو محمد عبد القادر بن عبد الله بن محمد بن أحمد بوجلال بن محمد بن محمد بفتح أوله بن محمد بن عبد الرحمن بن مسعود بن عبد الله بن يوسف بن عيسى البوخليلي بن صالح بن الحسن بن ابي القاسم بن أبي عبد الله بن محمد بن الشيخ مولاي يعقوب بن ابي إسحاق بن عبد الله بن ابي عمران بن موسى بن الشيخ مولاي صفوان الملقب بلسان القبط عند العجم يشار بن موسى بن سليمان بن يحي بن موسى بن عيسى بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن ابي طالب والحسن بن علي بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومجد وعظم ووالى عليه وانعم وهو شفيع الخلائق في المزدحم كذا هو مذكور بخط العلماء الثقات الراسخين الأثبات كالولي الصالح السيد دحو المعلوم بآمه زرفة صاحب الكرامات الظاهرة والسهام النافذة وغيره.
في ذكر مفاخره ومآثره ومكانته في العلم والدين والورع: فقد كان شيخا جليلا زاهدا ....حافظا مشهودا له بجلالة القدر وعلو الهمة ورفعة الدرجة ليس له إلى مخلوق حاجة لا يفتقر إلا إلى الله ولا يطلب إلا الله ولا يعادي او يصادق إلا في الله جار في سيرته على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إماما كاملا متفننا محررا.....في فنون العلوم معقولها ومنقولها قد جمع العلم والعمل واشتهر بدره ، وكان لم يزل رحمه الله تعالى مشتغلا بما يعنيه زاهدا فيما يرديه خرج من الدنيا ولم يتعلق بأغراضها ولا صرف نفسه إلى اعراضها .نشأته ومسقط راسه وأول نشأته ومسقط رأسه بقرية وهران قبل أن يأخدها العدو والكافر هذه الأخذة الأخيرة ، ثم بعد أن شب وكبرارتحل لطلب العلم بتلمسان واجتهد بها مدة حتى نال بها ما أمل ، وحصل له ما عسى أن لا يوجد لآخر ولا لأول لمصادفته وقتئذ بها مشايخ جله ثقات وعلماء راسخين أثبات كالسيد محمد المرزوق والسيد محمد بن عبد الله المنور وغيرهما من اهل ذلك العصركالفقيه...السيد أحمد بن ثابت ، ولما أن قفل بها وطره ..............رجع بعد إنجلاء المسلمين عن وهران لوطن الراشدية ونزل بقرب أم عسكر بموضع أسلافه بإذن شيخه في الطريقة وهو سيدي محمدالربيع الڨرومي علم الطريقة وألبسه الخرقة واستقر هناك واشتهر اشتهار البدر في الأفق واشتغل مدة مديدة في فنون عديدة بجد واجتهاد بالتدريس حتى أن الوطن الراشدية في وقته قد به توفي سنة 1192هـ الموافق لـ 1778 م من آثاره "بهجة الناظر في أخبار الداخلين تحت ولاية الاسبان بوهران من الأعراب كبني عامر" حققه الدكتور محمد بن عبد الكريم.، الشيخ عبد القادربن أحمد بن العربي بن التاودي ابن شقرون من أولاد ابن شقرون المعروفين بفاس كان مشاركا أديبا نحويا محدّثا غواصا على درر المعاني ولي خطة القضاء بفاس ، له شرح على العشرة الثانية من الأربعين النووية ودفن بقبة المولى إدريس الأزهر بفاس بأمر من السلطان المولى سليمان لكونه من أشياخه ، وحضر جنازته ، كان يقول الشعر وينتحله ودفن صبيحة يوم الجمعة الثاني عشر شعبان سنة 1219هـ مجاورا لقبة السيد محمد ابن الفضل الإدريسي ، وصلى عليه الشيخ الطيب بن كيران ، وحضرجنازته الخاص والعام ، وبأمر من مولانا سليمان دفن قبالة الداخل من موضع جلوس المقدم .، وقد استدعى الشيخ الطاهر الإجازة من شيخه ،فكان جوابه : بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ، الحمد لله الذي اختار لحمل أعباء شريعته أقواما ، وشرفهم بالعلم ومنحهم عزا وتوقيرا واحتراما،...بعين توفيقه وعنايته ، وحرصهم بحفظه ورعايته ، وأحيا أرض قلوبهم ، الحمد لله الذي شرف الإنسان بعلمه ورقاه مراقي عالية بفهمه ، ورفع قدره بين الأقران ، وأناله مواهب جلّت عن الإنحصار ، والصلاة والسلام علىأصل العلوم ومنبعها ، وبحر الكمالات ومشرعها ، مولانا ومولى كل مولى ، الذي لم تزل ولا تزول محاسنه تثلى ، محمد المحمود في الصدور والورود ، وعلى آله وصحبه وذريته وحزبه . هذا وقد أجزت المستدعي يمنته ، أمد الله بالعرفان والفتح ما كتبه فيما قرأه عليّ من الكتب المسطورة في الإستدعاء، وغيرها مما يحفظ ويسترعى إجازة وافية عامة شاملة على قانونها المعروف ، وشرطها المقرر المألوف ، حاثا له على تقوى الله العظيم في التعلم والتعليم ، ومجانبة الدعوى ، ومخالفة الهوى ، والصدق فيما يقول ، بلغنا الله كل مأمول ، وأن يدعو لي بصلاح الحال ن وركوب قارب الأهوال ، والله يوفقنا وإياه لما يحبه ويرضاه آمين بجاه النبي الأمين وكتبه 8ذي القعدة 12.8 عجلا عبد القادر بن أحمد بن العربي شقرون أمنه الله وكان له وتولاه، الطَّيِّب بن أبي بكر بن الطيب بن كيران النَّوازِلي، الفقيه المالكي. أخذ عنه العلم بفاس، وأجازه هو و شيخه عبد القادر ابن شقرون عامة ما لهما. له تصنيف سماه: «رحلة [إلى] الحجاز» ضمنها مناسك الحج، توفي سنة 1314 أربعة [عشر] وثلاثماثة وألف. ترجم له في اليواقيت الثمينة، وفي الأعلام.
من آثارالشيخ طاهر بن السيد عبد القادر المشرفي
1 إبراز المعاني من غوامض ألفاظ التفتازاني
2- شرح خطبة الشيخ السعد التفتازاني من كتاب ابراز المعاني من غوامض الألفاظ مخطوط مجاميع رقم 57 مسجد نمرة المدينة المنورة قسم الحديث المملكة العربية السعودية.
3- شرح كتاب «النصيحة الزروقية».-مخطوط
4-ثبت ذكر فيه أسانيده – عثرنا على بعض الأوراق منه
وقد رثاه تلميذه العالم الفقيه.....السيد السنوسي بن عبد القادر بن دح بقصيدة أولها :
ألا خل السرور لمبتغيــــــــــــه ** وقف تبكي الحبيب و التبكيه
أليف كأجمل .......... به حديـث ** وكهف لا يقابل بالشبيه
أليف كأجمل ........ ..به حديـث ** وصفو لا يدل على سفيه
إلى أن قال
ألا إن المنـايــا عـدت عـليــــك ** فارزقنا ما آنا نصطفيـــه
وهل يصفوا الزمان لنا وينخوا ** فمثلك خير شيخ تقتفيـــه
وهل يرضي غريسا من سواك ** لعمري ما سواك بمرتضيه
سقـــاك الله من رحمـــاه محبا ** (......... ما أنخت الثقل فيه
وفاته : توفي ، قاضي وهران العلاّمة الجليل طاهر بن السيد عبد القادر المشرفي ودفن بوهران على عهد الفرنسي، بعد سنة 1252 هـ الموافق ل 1836م . رحمه الله، آمين.
للبحث مصادره.

معسكرات إعادة التجميع، أو كيف عملت فرنسا على تفكيك الأرياف الجزائرية

 حرب التحرير الجزائرية معسكرات إعادة التجميع، أو كيف عملت فرنسا على تفكيك الأرياف الجزائرية خلال حرب الاستقلال، قام الجيش الفرنسي بتجميع سكا...