القاضي محمد بن يوسف الزياني
صاحب كتاب دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران
هو محمد بن يوسف الزياني البرجي ثم الوهراني من مواليد الثلث الأول من القرن التاسع عشر الميلادي ببلدة برج عياش المعروفة ببرج ولد المخفي، اليوم الواقعة قرب معسكر حيث موطن الأسرة، وهي من الأسر العلمية والسياسية التي كانت تتولى الوظائف في العهد العثماني، ومنها عمه أحمد بن يوسف الزياني الذي كان من العلماء المستشارين عند إبراهيم الملياني باي الإيالة الغربية(1756م-1771م/1170هـ-1185هـ).
وعن مكانة عمه يذكر صاحب الترجمة في كتابه دليل الحيران أن الباي إبراهيم كان شديد المحبة للعلماء يشتري لهم الجواري الحسان، وقد جعلهم طبقات بحسب تفاوتهم في العلم، وكان يكثر من مجالستهم والمذاكرة معهم ويبالغ في قضاء حوائجهم، وقد أخبره أحد هؤلاء العلماء وهو السيد أحمد الدبي قائلا: إن الباي لما اشترى لعمك أحمد بن يوسف الجارية ووقفت عندي النوبة لأن رتبتي بعد رتبته في العلم، اعتذرت للباي عن عدم قبولي الجارية تجنبا لغيرة زوجتي.
درس الزياني كغيره من شباب عصره على علماء الوقت في مدينة معسكر وغيرها من حواضر الغرب الجزائري، وقد يكون من الذين درسوا في المدارس الشرعية الفرنسية الثلاث خصوصا مدرسة تلمسان التي تأسست سنة 1850م، لأننا لا نملك المعلومات الكفيلة بتحديد أسماء الشيوخ الذين تتلمذ لهم الزياني سيما وأنه هو نفسه قد أهمل ذكر حياته في كتابه دليل الحيران، وعلى العموم فهو من المثقفين ثقافة مخضرمة.
وبعد إنهاء فترة الدراسة تولّى الزياني عدة وظائف قضائية للفرنسيين، فقد تولى قضاء مدينة البرج ابتداء من سنة 1861م، وهذا ما تؤكده الوثيقة الرسمية التي كاتبه بها الحاكم العسكري الفرنسي للناحية، وفي سنة 1883م انتقل إلى قضاء وادي تليلات ومنها إلى قضاء مدينة سيق، فيكون بذلك الزياني قد استمر مدة طويلة في هذا الوظيف الذي حدد علاقته مع الفرنسيين لأن منصب القضاء كان منصبا سياسيا عندهم، وإنه قد عايش الحملة التي انطلقت ضد القضاء الإسلامي لإدماجه في القضاء الفرنسي سيما عقد الثمانينات.
هذا ولم يكن الزياني معزولا ولا مغمورا، بل كان على علاقة مع علماء عصره مثل الشيخ علي بن عبد الرحمن الجزائري مفتي وهران الذي كاتبه سنة 1320هـ/1902م قائلا في مستهل الكتاب:« محبنا الفقيه العلامة مولانا السيد ابن يوسف...». كما اطلع الشيخ المهدي البوعبدلي على الكثير من فتاوى الزياني وبعض التعاليق على الكتب والمراسلات مع بعض علماء البلاد.
ولم تشغل وظيفة القضاء الزياني عن التأليف والإنتاج الثقافي، فقد كان من المساهمين في ميدان التاريخ من خلال كتابه الذي خص به مدينة وهران ووسمه بدليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران والذي قدم له وعلق عليه المهدي البوعبدلي ونشرته الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة 1978م. ولم يتقيد المؤلف بأخبار وهران كما يظهر من العنوان ولكنه تعرض أيضا لتاريخ الجزائر عموما في العهد العثماني، وشمل ذلك الحديث عن البايات وعن ثورة الطريقة الدرقاوية ضد بايات الغرب التي خصص لها حيزا بارزا.
وقد قسم الزياني كتابه إلى قسمين رئيسيين تناول في القسم الأول التعريف بمدينة وهران واشتقاق الكلمة وما قاله المؤرخون من قديم الزمان، وتاريخ تأسيسها ومؤسسيها وسبب تسميتها، وذكر علماءها وأولياءها من القديم خصوصا سيدي الهواري وتلميذه إبراهيم التازي، وقائمة من ملكها منذ تأسست إلى عهده. أما القسم الثاني فقد بدأه بعهد السلطان الزياني أبي حمو موسى الثاني، وتناول فيه النزاعات بين الزيانيين والمرينيين، واحتلال الإسبان لوهران، ثم العهد العثماني الذي توسع فيه عندما تحدث عن الأتراك وخلفائهم وعن الباشاوات الذين توارثوا الحكم بالجزائر، وعن النظام التركي في الجزائر أيضا، وحلل وظيفة الباي وذكر قائمة بايات الغرب الجزائري وثورة الطريقة الدرقاوية ضد بعضهم، وفي نهاية هذا القسم جعل فصلا بعنوان: الدولة التاسعة الفرانسيس ويقال لهم الفرنج والكلام عليهم في سبعة مواضع. ولكن المؤلف اكتفى بهذا العنوان ولم يتعرض له بل توقف عن الكتابة خشية العواقب إذ أنه لم يرد أن يتورط في إبداء رأيه في الاحتلال والنظام الاستعماري سيما وأنه يشغل منصب القاضي لدى الفرنسيين.
هذا وقد انتقد المهدي البوعبدلي كتاب دليل الحيران من عدة وجوه، منها الاعتماد على النقل الكثير، وعدم إبداء الرأي فيما ينقل مما جعله أحيانا ينقل الأخطاء كما هي، ولم يكن يخضع لقواعد العربية ويتخذ أسلوب السجع. ومن مزاياه حسب البوعبدلي فإنه جمع في كتابه ما كان متفرقا، وما أصبح مفقودا مثل درء الشقاوة لأبي راس، ودرّ الأعيان لحسين خوجة، ومن مزاياه أيضا تعرضه لأحداث المغرب الأقصى.
وهناك كتاب آخر أثار كثيرا من الجدل وهو أقوال التأسيس فيما سيقع بالمسلمين من دولة الفرنسيس، وفي بعض النصوص أقوال التأسيس عمّا وقع وسيقع من الفرنسيس، والذي وضعه مؤلف مجهول، ولكن المهدي البوعبدلي رجح نسبة هذا الكتاب إلى الزياني لبعض الاعتبارات وهي أن الزياني قد جعل آخر عنوان في كتابه دليل الحيران عن الدولة التاسعة وهم الفرنسيون كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ولكنه اكتفى بالعنوان دون مواصلة العمل تجنبا للخوض في مواضيع سياسية عن الاحتلال والمقاومة. وهي المواضيع التي طرقها في أقوال التأسيس ولكنه سلك في ذلك عدة وجوه تبرئة لنفسه من أي تهمة مباشرة من طرف الفرنسيين، ومن ذلك أنه جعل الكتاب في شكل تنبؤات وتكهنات وليس في شكل وقائع تاريخية، وأنه لم ينسبه إلى نفسه ولكنه نسبه إلى عالم وحافظ ومؤرخ وهو أبو راس الناصر الذي كتب عن أحداث التاريخ، وسجل الكتاب في قائمة مؤلفات أبي راس الناصر، رغم أن الأخير قد ترجم لنفسه وذكر مؤلفاته دون أن يذكر من بينها كتاب أقوال التأسيس وهو متوفى قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر.
وقد شاع كتاب أقوال التأسيس في أوساط المتعلمين في أواخر القرن التاسع عشر وتناقلته الأيدي، فثارت ثائرة الفرنسيين حين علموا بذلك خشية ما قد تقود إليه أفكار الكتاب من ثورات، سيما وأن المستشرقين والضباط الفرنسيين كانوا يحذرون دوما من استعمال الجزائري لمثل هذه التنبؤات والألغاز والرموز. فأخذت الإدارة الفرنسية تبحث عن الكتاب وتتلف نسخه وتتتبعه في المكتبات الخاصة، بل إنها أقدمت كما يقول الشيخ البوعبدلي على سجن الكثير من الطلبة الذين كانت تشك في أنهم يملكون نسخا منه.
أما عن وفاة الزياني فإنها كانت بعد سنة 1902م بقليل، وليس سنة 1891م كما ذهب إلى ذلك صاحب معجم أعلام الجزائر، شفيعنا في ذلك الكتاب الذي بعثه مفتي وهران علي بن عبد الرحمن إلى الزياني سنة
الحرب العالمية الثانية ذهبت إلى الحج واستبدلت لقب القايدة بالحاجة.
وعن مكانة عمه يذكر صاحب الترجمة في كتابه دليل الحيران أن الباي إبراهيم كان شديد المحبة للعلماء يشتري لهم الجواري الحسان، وقد جعلهم طبقات بحسب تفاوتهم في العلم، وكان يكثر من مجالستهم والمذاكرة معهم ويبالغ في قضاء حوائجهم، وقد أخبره أحد هؤلاء العلماء وهو السيد أحمد الدبي قائلا: إن الباي لما اشترى لعمك أحمد بن يوسف الجارية ووقفت عندي النوبة لأن رتبتي بعد رتبته في العلم، اعتذرت للباي عن عدم قبولي الجارية تجنبا لغيرة زوجتي.
درس الزياني كغيره من شباب عصره على علماء الوقت في مدينة معسكر وغيرها من حواضر الغرب الجزائري، وقد يكون من الذين درسوا في المدارس الشرعية الفرنسية الثلاث خصوصا مدرسة تلمسان التي تأسست سنة 1850م، لأننا لا نملك المعلومات الكفيلة بتحديد أسماء الشيوخ الذين تتلمذ لهم الزياني سيما وأنه هو نفسه قد أهمل ذكر حياته في كتابه دليل الحيران، وعلى العموم فهو من المثقفين ثقافة مخضرمة.
وبعد إنهاء فترة الدراسة تولّى الزياني عدة وظائف قضائية للفرنسيين، فقد تولى قضاء مدينة البرج ابتداء من سنة 1861م، وهذا ما تؤكده الوثيقة الرسمية التي كاتبه بها الحاكم العسكري الفرنسي للناحية، وفي سنة 1883م انتقل إلى قضاء وادي تليلات ومنها إلى قضاء مدينة سيق، فيكون بذلك الزياني قد استمر مدة طويلة في هذا الوظيف الذي حدد علاقته مع الفرنسيين لأن منصب القضاء كان منصبا سياسيا عندهم، وإنه قد عايش الحملة التي انطلقت ضد القضاء الإسلامي لإدماجه في القضاء الفرنسي سيما عقد الثمانينات.
هذا ولم يكن الزياني معزولا ولا مغمورا، بل كان على علاقة مع علماء عصره مثل الشيخ علي بن عبد الرحمن الجزائري مفتي وهران الذي كاتبه سنة 1320هـ/1902م قائلا في مستهل الكتاب:« محبنا الفقيه العلامة مولانا السيد ابن يوسف...». كما اطلع الشيخ المهدي البوعبدلي على الكثير من فتاوى الزياني وبعض التعاليق على الكتب والمراسلات مع بعض علماء البلاد.
ولم تشغل وظيفة القضاء الزياني عن التأليف والإنتاج الثقافي، فقد كان من المساهمين في ميدان التاريخ من خلال كتابه الذي خص به مدينة وهران ووسمه بدليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران والذي قدم له وعلق عليه المهدي البوعبدلي ونشرته الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة 1978م. ولم يتقيد المؤلف بأخبار وهران كما يظهر من العنوان ولكنه تعرض أيضا لتاريخ الجزائر عموما في العهد العثماني، وشمل ذلك الحديث عن البايات وعن ثورة الطريقة الدرقاوية ضد بايات الغرب التي خصص لها حيزا بارزا.
وقد قسم الزياني كتابه إلى قسمين رئيسيين تناول في القسم الأول التعريف بمدينة وهران واشتقاق الكلمة وما قاله المؤرخون من قديم الزمان، وتاريخ تأسيسها ومؤسسيها وسبب تسميتها، وذكر علماءها وأولياءها من القديم خصوصا سيدي الهواري وتلميذه إبراهيم التازي، وقائمة من ملكها منذ تأسست إلى عهده. أما القسم الثاني فقد بدأه بعهد السلطان الزياني أبي حمو موسى الثاني، وتناول فيه النزاعات بين الزيانيين والمرينيين، واحتلال الإسبان لوهران، ثم العهد العثماني الذي توسع فيه عندما تحدث عن الأتراك وخلفائهم وعن الباشاوات الذين توارثوا الحكم بالجزائر، وعن النظام التركي في الجزائر أيضا، وحلل وظيفة الباي وذكر قائمة بايات الغرب الجزائري وثورة الطريقة الدرقاوية ضد بعضهم، وفي نهاية هذا القسم جعل فصلا بعنوان: الدولة التاسعة الفرانسيس ويقال لهم الفرنج والكلام عليهم في سبعة مواضع. ولكن المؤلف اكتفى بهذا العنوان ولم يتعرض له بل توقف عن الكتابة خشية العواقب إذ أنه لم يرد أن يتورط في إبداء رأيه في الاحتلال والنظام الاستعماري سيما وأنه يشغل منصب القاضي لدى الفرنسيين.
هذا وقد انتقد المهدي البوعبدلي كتاب دليل الحيران من عدة وجوه، منها الاعتماد على النقل الكثير، وعدم إبداء الرأي فيما ينقل مما جعله أحيانا ينقل الأخطاء كما هي، ولم يكن يخضع لقواعد العربية ويتخذ أسلوب السجع. ومن مزاياه حسب البوعبدلي فإنه جمع في كتابه ما كان متفرقا، وما أصبح مفقودا مثل درء الشقاوة لأبي راس، ودرّ الأعيان لحسين خوجة، ومن مزاياه أيضا تعرضه لأحداث المغرب الأقصى.
وهناك كتاب آخر أثار كثيرا من الجدل وهو أقوال التأسيس فيما سيقع بالمسلمين من دولة الفرنسيس، وفي بعض النصوص أقوال التأسيس عمّا وقع وسيقع من الفرنسيس، والذي وضعه مؤلف مجهول، ولكن المهدي البوعبدلي رجح نسبة هذا الكتاب إلى الزياني لبعض الاعتبارات وهي أن الزياني قد جعل آخر عنوان في كتابه دليل الحيران عن الدولة التاسعة وهم الفرنسيون كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ولكنه اكتفى بالعنوان دون مواصلة العمل تجنبا للخوض في مواضيع سياسية عن الاحتلال والمقاومة. وهي المواضيع التي طرقها في أقوال التأسيس ولكنه سلك في ذلك عدة وجوه تبرئة لنفسه من أي تهمة مباشرة من طرف الفرنسيين، ومن ذلك أنه جعل الكتاب في شكل تنبؤات وتكهنات وليس في شكل وقائع تاريخية، وأنه لم ينسبه إلى نفسه ولكنه نسبه إلى عالم وحافظ ومؤرخ وهو أبو راس الناصر الذي كتب عن أحداث التاريخ، وسجل الكتاب في قائمة مؤلفات أبي راس الناصر، رغم أن الأخير قد ترجم لنفسه وذكر مؤلفاته دون أن يذكر من بينها كتاب أقوال التأسيس وهو متوفى قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر.
وقد شاع كتاب أقوال التأسيس في أوساط المتعلمين في أواخر القرن التاسع عشر وتناقلته الأيدي، فثارت ثائرة الفرنسيين حين علموا بذلك خشية ما قد تقود إليه أفكار الكتاب من ثورات، سيما وأن المستشرقين والضباط الفرنسيين كانوا يحذرون دوما من استعمال الجزائري لمثل هذه التنبؤات والألغاز والرموز. فأخذت الإدارة الفرنسية تبحث عن الكتاب وتتلف نسخه وتتتبعه في المكتبات الخاصة، بل إنها أقدمت كما يقول الشيخ البوعبدلي على سجن الكثير من الطلبة الذين كانت تشك في أنهم يملكون نسخا منه.
أما عن وفاة الزياني فإنها كانت بعد سنة 1902م بقليل، وليس سنة 1891م كما ذهب إلى ذلك صاحب معجم أعلام الجزائر، شفيعنا في ذلك الكتاب الذي بعثه مفتي وهران علي بن عبد الرحمن إلى الزياني سنة
الحرب العالمية الثانية ذهبت إلى الحج واستبدلت لقب القايدة بالحاجة.
1902م. وقد أورث لأحد أبنائه الإمامة في مسجد حر بمدينة سيق بناه صهره، وقد ظل الابن الذي لا نعرف اسمه في الإمامة حتى توفي وكان من الفقهاء أيضا. كما ترك الزياني بنتا تعرف بالقايدة حليمة اشتهرت في مدينة وهران ونواحيها بتمردها على عوائد الحجاب، فكانت تخرج سافرة وتقوم بشؤون أسرتها الفلاحية وتشارك زوجها الذي كان ينتمي إلى أسرة متنفذة في العهدين التركي والفرنسي، في جميع الأمور من ركوب الخيل وحضور ألعاب الفروسية واستقبال الوفود الزائرة والمشاركة في الحفلات التي كان يقيمها الولاة العامّون بالجزائر لأعيان البلاد، ولكنها قبل وفاتها في أوائل
- ملاحظة : للترجمة مصادرها.
2 commentaires:
مصدر المقال رجاءا؟
مصدر المقال من فضلكم
Enregistrer un commentaire