lundi 30 avril 2018

حاكم وهران وبايلك الغرب الجزائري أبو عثمان محمد بن عثمان الكبير – الباي لكحل- ج2




حاكم وهران وبايلك الغرب الجزائري
أبو عثمان محمد بن عثمان الكبير – الباي لكحل-
1797-1779/1212-1193فترة حكمه
ج2
تكوينه
جمع الباي محمد الكبير بين العلم والفروسية تماشيا مع مزاج عصره، الأمر الذي جعله في مستوى حاكم مؤهل لقيادة وإدارة شؤون رعية بايلك الغرب في الرابع الأخير من القرن الثامن عشر، وتفاصيل ذلك كالأتي:
تكوينه العلمي
لا نصادف مؤرخا جزائريا أو أجنبيا ينفي غزارة علم الباي محمد الكبير، فقد وصفه الخزندار "تدينا" أنه أعرف بني ملته، ويشهد له ابن سحنون وابن زرفة بمستواه العلمي العالي وثقافته الواسعة ، ويمكن لنا أن نستوحي ذلك مما كتبه ابن زرفة أنه لما عزم على تقييد رحلته القمرية ، دخل على مجلس الباي وطلب منه كتبا يستظهر بها ما هو عازم على فعلته، فزوّده من خزائن كتبه ما يعزّز فصول الكتاب الذي يقيّد أحداث ووقائع فتح وهران الثاني . ومن خلال مضمون الرحلة القمرية يظهر لنا أنه أمدّه بكتب فقهية ومصادر التاريخ الإسلامي المبكر ، وما يبرهن على مستواه الثقافي الرفيع ، محاولاته الإصلاحية المتعددة خاصة في المجال الثقافي وعلاقته الطبية ومعاملته الحكيمة بالمتصوفة والعلماء ، وسيأتي تفصيل ذلك لاحقا.
ولا تدلنا المصادر إلى شيوخ أو مدرّسي الباي محمد الكبير، سواء في المدية أو في معسكر ، لكن يتراءى لنا مادام ينحدر من أسرة عثمانية حاكمة ،فإنه لا يشّذ عن المتعارف عليه، إذ عادة ما يتلقى أبناء الحكم تعليما في القصر ، ويتكفل الحاكم أو الوالد باختيار أحسن المدرّسين علما وأخلاقا ، ويحدد له البرنامج التعليمي والأهداف التربوية المتوخاة ، ويأمره بالسعي في تنفيذها والالتزام بها، مع إبقاء المتابعة ، لأنه يريد ولدا قادرا على فهم كنه السياسة وفن الحكم.
بهذه الكيفية ، نتصور أن الباي عثمان الكردي ومن بعده الباي إبراهيم إهتما بتكوين الباي محمد الكبير وسائر أفراد العائلة في المدية ثم معسكر عقب انتقال الباي ابراهيم إليها ، وحتى الباي محمد الكبير كلّف ابن سحنون الراشدي بتدريس ولده عثمان بقصره في معسكر.
وإذا كان ابن سحنون الراشدي لا يلمّح إلى دور مدينتي مليانة والمدية في نشأة وتكوين الباي محمد في صباه ، فإنه يقر بدور معسكر في نشأة الباي دون إيضاح ، إلا أنه يمكن لنا أن نشخّص الجوّ الثقافي للمدينة بإعتبارها عاصمة لبايلك الغرب الجزائري في عهده ، حتى يتسنى لنا اكتشاف مدى تأثير مدينة معسكر كحاضرة من حواضر الجزائر في تطور الرصيد العلمي والثقافي للباي محمد، فقد اعتبرها المؤرخون إحدى قلاع العلم والثقافة زيادة على قلاعها وحصونها العسكرية ، وقد زاد في أهميتها سهل غريس الخصب الواسع ، وسكانها بنو زروال ، وبنو توجين ، والمغراويون، وهوارة.....لذلك استقطبت معسكر والوطن الراشدي على العموم عددا كبيرا من العلماء والفقهاء، وقادة الجهاد ضد الإسبان بوهران، ومايميز الحياة العلمية في معسكر ، عائلات توارثت العلم أبا عن جد ، وكذا الوظائف العلمية كالقضاء ، والإفتاء ، والإمامة ، والخطابة، والتدريس ، ومن ضمنها : عائلة الخروبي ، وعائلة المشارف ، وعائلة بن بروكش ، وعئلة أبي راس الناصري ، وعائلة ابن التهامي ، وعائلة الشيخ مصطفى ، وعائلة الشرفاء البشيريين بالوادي المبطوح قرب سيق.
واهتمت هذه العائلات بتأسيس الزوايا ، ومعاهد العلم للتعليم ، والإقراء ، والإفتاء ،فمثلا أسّس الشيخ عبد القادر المشرفي ، مؤلف كتاب "بهجة الناظر..." معهدا علميا وزاوية في مسقط رأسه بالكرط ، وأسس الشيخ مصطفى بن المختار الغريسي ( حدّ الأمير عبد القادر) زاوية ومعهدا بوادي الحمام عام 1206هـــ /1791-1792 م .وتصدّى للتدريس وتلقين ورد الطريقة القادرية ، ووظف فيها علماء أجلاء مثل شيخه المشرفي ، وكان من بين تلاميذه ومريدي طريقته القادرية "الباي محمد الكبير "
ولا نستبعد أن الباي محمدا جالت نحو مصر والحرمين الشريفين ، وخالط علماءها وأخذ عنهم ما وسّع مداركه العلمية ، وربما كان ذلك في إطار أداء فريضة الحج ، لأننا ضبطنا أنه كانت له علاقة طيبة بشيخ جامع الأزهر في عهده السيد أبو الفيض المرتضى الزبيدي ، وبالشيخ محمد الأمير ، وبالحرمين الشريفين ، كما نتوقع أنه زار إيطاليا ومكث بها مدة من الزمن كان يتقن اللغة الإيطالية .
ونختم حديثنا بمحاولة تصور عناصر ثقافته المتعددة والمتنوعة ، فإذا لم يشذ عن الإتجاه الثقافي لأبناء عصره الذي تطغى عليه الصبغة الدينية ، فإنه تفتح على علوم أخرى ، فكان ابتداء تكوينه كما جرت العادة فيما يخص التربية الإسلامية هو دراسة العلوم الشرعية من خلال حفظ القرآن الكريم ودراسة أحكامه وقراءة الفقه، وحفظ وفهم مختصر الشيخ خليل معنى ولفظا ، مع دراسة اللغة العربية بالتركيز على دراسة ألفية ابن مالك وما يتصل بذلك من بلاغة وعروض ونحو وصرف ، واتسعت معارفه بدراسة المصادر التاريخية خاصة المتعلقة بالتاريخ الغسلامي ، إلى جانب اهتمامه بالشعر والادب ، إذ كان يقصده الشعراء والادباء ويجزل لهم العطاء إذا قدموا له عملا شعريا أو أدبيا ، ويشهد ابن سحنون الراشدي أن الباي محمد كان أدبيا جليلا ،ناهيك عن معرفته لأمثال وحكم العرب ، والمخطوطات العسكرية وكذا الطب إذ يروي ابن سحنون أنه كان يعالج الفقراء من الناس في منزله ، ويعد لهم بنفسه الدواء ، كما أمر بجمع ماكتب في الطب .ولاتعرّفنا المصادر التاريخية بمصادر الباي محمد في ميدان الطب، علما أن تعليمه كان محدودا جدا لأن وسئل تعليمه كانت محدودة ، ولايمكن تدريسه في المساجد أو الجوامع .كما أنه لاتوجد إشارة إلى إمكانية ممارسته للجراحة ، فكل ما ورد أنه كان يحسن تحضير الأدوية بالأعشاب.
وكشف لنا الأسير الفرنسي "تدينا" عن مكاسب لغوية أخرى للباي محمد، ونقصد بذلك إتقانه للغة الإيطالية وقدرته على التكلم باللغة الفرنسية دون إتقان ، ولا نغفل أيضا تحكمه في اللغة العثمانية –لغة الإدارة العثمانية بالجزائر – وتطلب تطلعه إلى إدارة دواليب الحكم في البايليك الغربي ، اشتغاله في الإدارة في عهد الباي ابراهيم سواء في المدية أو في معسكر ، ليتم تقليده منصب قائد فليتة بزمورة –ناحية غليزان- ليمارس إدارة شؤون رعية هذه ، ويكتسب خبرة إدارة عززت بترقيته إلى منصب خليفة الباي في القطاع الشرقي وقاعدته مليانة، وصار يدير الامور بكل ثقة وأهلية إلى أن إختاره الداي محمد عثمان بايا للغرب الجزائري.
تدريبه على الفروسية
من عادة العائلات الارستقراطية في الجزائر العثمانية سواء كانت عائلات عثمانية حاكمة أو عائلات مخزنيه موالية ، تدريب أولادها على ركوب الخيل والمشاركة في السباق وتعلم الرماية والمطاردة أي ممارسة الفروسية ، وفي هذا الصدد، تلقى الباي محمد بن عثمان تكوينا ، فقد امتطى الخيل الأصيل وهو صبي ، ونشأ على محبة ذلك.
وقد أفرد ابن سحنون الراشدي في مؤلفه "الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني" صفحات حول ركوب الخيل، فسمح فيها إلى أن الباي محمد ، فضل إمتلاك الخيول العتيقة وركوبها وهي الخيل الجيدة غير المهجنة ، إذ كان الباي لا يتخيّر ركوب خيل ما، حتى يتيقّن من قوته وتفوقه على سائر الخيل في السباق ، وفسّر ابن سحنون حرص الباي محمد على امتلاك وإمتطاء الفرس الأصيل القوي والسريع بما جرى على لسان أهل الفكر والسياسة : " ...وقالوا : يجب على الملك ألاّ يخلو من خمسة معاقل يتحصّن بها ، أولها وزير صالح يتحصّن برأيه ، وثانيها سيف قاطع يتحصّن بحدّه ، وثالثها فرس سبق يتحصن بظهره إذا لم يمكنه الثبات ، ورابعها امرأة حسناء يحصّن بها فرجه وبصره، وخامسها قلعة منيعة يتحصن فيها إذا أحيط به".
وإذا كان هدف الباي محمد بن عثمان من تدريبه على الفروسية ، مطاردة العدو الإسباني بوهران والقبائل العاصية وإقحام ساحة القتال عندما تستدعي الضرورة ، فإنه كان يخرج بخيله الاصيلة وأعضاء ديوانه وجنده إلى الصيد البرّي في وقت السلم ، فيتوغل في الفلوات والمناطق صعبة التضاريس مطاردا للحيوانات المتوحشة ومصطادا للطيور الجارحة ، مبتغيا جملة من الفوائد منها: مداومة فروسيته والنزهة، وكتب ابن سحنون الراشدي أنه إذا أظهر له حيوان آخر ، ترك الاول الذي أجهده ، وشرع في مطاردة الثاني ، ويفعل به مثلما فعل بالأول ، وهكذا دواليك.
وبالتالي ، يظهر لنا أنه لم يكن غرض الباي محمد بن عثمان صيد الحيوانات المتوحشة بل مجاراتها للإختيار مدى قوة وسرعة خيله، وترويض نفسه على المحاصرة والتضييق واقتحام المسالك الصعبة التى يسلكها الحيوان الطريد ، وعادة ماتكون منحدرات ومرتفعات.
وكان الباي يختار مواطن الصيد بناءا على ثلاثة عناصر تستقطب الحيوانات المتوحشة وهي : بُعد منطقة الصيد عن التجمعات السكانية ، توفر الكلاء والعيون المائية ، وذكلر لنا ابن سحنون أن الباي محمد كان يطارد " الأيل" الذي من طبائعه أنه يأوي إلى الأماكن العالية الوعرة ، و"الربرب" وهو قطيع بقر الوحش ، و " الضباء " ، وذلك بعد مفاجأتها علما أنه كان يتفادى اصطحاب الكلاب السلوقية حتى لاتفزع الحيوانات بنباحها، ويضيع منه كل ما يبتغيه من مطاردة وترويض ، وما الجدوى من كلاب في عملية صيد تبعد القنص من مراميها ؟.
وعليه ، إن الخروج للصيد ، سلوك وطيد الصلة بممارسة الفروسية ، ومنافعه عديدة كشفت عنها الكثير من المفكرين، نوردها كالآتى :
-صحة للبدن : روي عن عمر بن الخطاب أنه قال" لن تخور قواكم مانزوتم ونزعتم" ، ويعني ذلك أنه من يداوم الخروج إلى الصيد وركوب الخيل لن تضعف قواه ، لأن الصيد في لغة العرب هو الركوب والجري والرمي، وهذه حركات تذيب الشحم ، وفي الوقت نفسه ، يسلم الجسم الجسم من داء النقرس ، وهو مرض مزمن يصيب الملوك في أرجلهم نظرا لمداومتهم للجلوس والترف دون ممارسة الرياضة .
-تمرين الخيل : الصيد وسيلة لتمرين الخيول والعناية بقوتها وسرعتها حتى تكون مهيأة باستمرار للمهمات الصعبة ، خاصة أن الباي محمد كان يجابهه تحديا وهو اجلاء الإسبان من وهران.
-اكتساب فن تدبير امر الحرب والتمرن على ركوب الخيل والمطاردة وطلب الاعداء والخصوم وتذوق لذة الظفر ، وتعلم اقتحام المصاعب وركوب الشدائد حتى قيل أن الصيد يحدث الشجاعة ويقطع عروق الجبن.
-معالجة الحزن والسقم والإبتعاد عن الرذائل وإغلاق باب " القيل والقال".
-إثارة الذكاء والدهاء واستراحة الفكر والنفس من العياء المستديم ، واكتساب القوة والشدة.
-كسب الغذاء الحلال : أحلّ الله غذاء الصيد حيث قال  يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ).
ولاحظنا أن الباي محمد الكبير خرج إلى الصيد البري في وقت الغزو ، أثناء وجوده بين قبائل الهضاب العليا في الجنوب المتمردين على الحكم العثماني ، وأثناء تأهبه لدخول وهران، وحينئذ يتبيّن لنا جليا أن الخروج للصيد فرصة لإستطلاع المناطق ولإستكشاف خباياها ، فيعد ذلك إحدى ضرورات الإنتصار على الخصم أو العدو.
وما أثار انتباه المؤرخين الجزائريين والاجانب ، أن الباي محمدا كان حاكما عثمانيا متنورا ، ومفكرا وفارسا بارعا وهاويا متميزا وذا أخلاق فاضلة وصفات حميدة جرى الحديث عنها على لسان الجزائريين خلال القرن التاسع عشر، ورغم صيغ المبالغة التي ميزت كتاب الثغر الجماني لابن سحنون الراشدي في هذا الشأن إلا أنها لا تخلو من الحقيقة التاريخية.
------------------------------------------
الأستاذ الدكتور بلبروات بن عتو رسالة ماجستير-2002 –
الباي محمد الكبير ومشروعه الحضاري 1779 -1797 .

Aucun commentaire:

معسكرات إعادة التجميع، أو كيف عملت فرنسا على تفكيك الأرياف الجزائرية

 حرب التحرير الجزائرية معسكرات إعادة التجميع، أو كيف عملت فرنسا على تفكيك الأرياف الجزائرية خلال حرب الاستقلال، قام الجيش الفرنسي بتجميع سكا...