القاضي أحمد بن حامد بن الحاج بن عودة ابن ددوش
التلمساني ثم
الوهراني
1859-1928م/1275 -1346هـ
تحقيق الأستاذ بليل حسني وهواري حاج.
مقدمة : هذه الترجمة أخذت
من رحلة الشيخ السكيرج الموسومة ب: من
كتاب الرحلة الحبيبية الوهرانية الجامعة
للطائف العرفانية للقاضي أحمد سكيرج ، وتفاصيل هذه الترجمة من حيث شيوخ إبن ددوش
وتلاميذه والأماكن التي تولى فيها القضاء ورحلته إلى مالي والسودان وأفراد أسرته
ونياشينه التى أحرزها مدّة خدمته للقضاء (27 سنة) تجد ذلك كله مفصلا بالوثائق خاصة
الأسرية منها في كتاب تكميل البستان (مخطوط).
ملاحظة : ستتبع هذه الترجمة بسائر تراجم هذه الرحلة (تراجم وهرانية –تلمسان
–مستغانم –سيدي بلعباس) .
ومنهم قاضي الحضرة
الوهرانية ، الحائز قصبات السّبق في
المقامات العرفانية، العلاّمة الفاضل، المتحلي بأجمل الفضائل، أبو العباس الشيخ
سيدي أحمد بن حامد بن الحاج بن عودة ابن ددوش التلمساني. هذا السيد الجليل، ذو
المنصب الجميل، له أخلاق عذبة المذاق، دالة على طيب الأصول والأعراق، قد توفر فيه
الحسن والإحسان، فهو حسن الخلق والخلقة، يملأ عين ناظره سرورا، وينشرح به الصدر
انشراحا ونورا ، يخالط الناس وهمته فوق الثريا ، يلين جانبه لأهل الفضل مع سلامة
الصدر، وبشاشة المحيا ، وقد خاض في العلوم الفقهية والحديثية والتفسيرية حتى اعترف
له بالفضل أهل الفضل ، وتضلع من الفنون العصرية ما فيه الكفاية ، واغترف من بحر
العلوم الوهبية أسراروأنوارا، ولا تقنع نفسه بالوقوف على ما حصّله من ذلك ، بل
المقصود عنده إمام ويسلك في طلبه أوضح المسالك ، وكنت قبل اجتماعي به سمعت من
احواله ما حملني على الغبطة التامة في ملاقاته ، فاستعملت قصيدة بقصد توجيهها إليه
، وقبل إخراجها من المبيضة ، اجتمعت به فوجدته ممن انطبعت محبتنا في قلبه قبل
الاجتماع ، ولا زال يتردد إلينا غالب الأوقات في كا يوم إلى أن قدر الله الفراق
وقت الوداع ونص القصيدة المشار لها تنويها بقدر ذوي الفضل المستحقين للذكر بما لهم
من كمال الفضل وهو من خاصة الأحباب في الطريقة التجانية
سلكنا فجاج البر شوقا للإخوان
تحلوا بأداب وحسن واحسان
وخضنا البحارالزاخرات لعلنا ترى
وجههم حتى وصلنا لوهران
ونسأل اهل الفضل في كل بلدة حللنا
بها عمن له رفعة الشان
فيرشدنا أهل البلاد لمن له ترى
رتبة في الفضل او بعض إحسان
إلى ان حللنا هذه البلدة التي ترى
من قديم الدهر من خير بلدان
فأخبرنا أهل النهى أنّ مثلهم عديم
نظير في علوم وعرفان
فحركنا الشوق المؤجج في الحشا
لرؤيتكم يا من سما بين اقران
وإن لنا شوقا لرؤية مثلكم لنذكره
فيمن رأينا من اعيان
وأنت الذي لا شك تذكر أولا لكونكم في
الفضل ليس لكم ثان
وهل أحد مثل ابن ددوش قدره يخل
بوهران واهل تلمسان
سرى ذكره في العرب مثل اعاجم من
أقصى الغرب حتى السودان
ألا ايّها القاضي الجل ومن له جلالة
علم زانها حسن إتقان
واضحت له في الفضل ارفع رتبة يعظمها
بين الورى كل إنسان
أتينا إلى وهران شوقا لأهله ليحي
بهم قلبي وتذهب احزاني
وإنّي مشتاق لرؤية وجهكم لأنّك
قاضي الوقت في قطر وهران
وإنّك من أهل المروءة والعلا وإنّك
من أحباب قلبي وإخواني
وليس لنا قصد يشين وإنّما نحب لقا
امثالكم من ذوي الشاني
على أن جلّ النّاس قد صار ذكرهم
لرؤية حسن او لرؤية إحسان
وإنّي ارى خير المودة للفتى بشاشة
وجه زانه نور إيمان
لك الله من شيخ تكامل فضله وأوصافه
ليست تسام بنقصان
فعش كوكبا في رتبة المجد طالعا محوطا
بحفظ الله من كيد شيطان
ودم و زمان السعد لا زال مقبلا عليك
بنيل المرتجى طول أزمان
الإفصاح عن مقصود المؤلف بالجمع بالأفاضل
وقد أفصحت في هذه القصيدة عن المقصود من الإجتماع به، وبأمثاله الأفاضل مما
لا تبقى به نفس السامع منقبضة ، ممّا يتوهم من أنّ ذلك لغرض نفساني.
والله يعلم إنني ذو همّة تابى الدّناءة عفّة وتكرّما
فلست بحمد الله ممن يثني على النّاس للأغراض
ولست تراني واقفا عند باب من يقول فتاه سيدي اليوم راقد
ذلك هو الذي جلبت عليه نفسنا منذ الصبا ، فلا أخالط الغير إلاّ برفع الهمّة
، سواء كان مخفوضا أو منتصبا ، وقد ذكرنا هذا القول هنا ليكون مطالع هذه الرحلة
على بال ممّا يقف عليه من مدح بعض الأفاضل فيظن أننا تعرضنا بذلك للنوال كما هي
عادة غالب الشعراء في المدح الذي هو من قبيل السؤال على أنّ هذا الفاضل وأضرابه من
اهل هذا الوطن في مراعاة الجانب بكمال الإحتفال في السر والإعلان.
أثني عليه بما اسداه من كرم إليّ في النّاس في سر وفي علن
ولا زال بحول الله أشكره مع الشريف الحبيب مدة الزمن
فإنّ سيدنا الحبيب بن عبد الملك هو السبب في معرفتي بهذا السيد الجليل ،
وفي معرفة أمثاله ، ولا شك أن تراجمهم كلها مندرجة في ترجمة سيدنا الحبيب المذكور
وهو المقصود بهذه الرحلة من أول من تم حتى نسبت إليه ، فهي الحبيبية الوهرانية
جعلها الله من السعي المشكور، وقد خضنا مع صاحب الترجمة في المذاكرة فنونا، وأبدى له من كنوز الأسرار جوهرا مصونا، ومع ذلك يستنتج ما
لدينا بألطف سؤال، ويتنزل غاية التنزل عن المقام في المقال ، حتى أدى به الحال إلى
أن استجازني في ما لدي ، واستسمن ذا ورم مني فيما رآه يسبب إلى لكمال حسن ظنه ،
واعتقاده الجميل فلم يسعني غير إجابته لإحراز دعوته ، فأجزته بإطلاق حسبما تلقيته
عن أشياخنا أولى المعارف والأذواق ، وتجردنا عندئذ عن لباس ستر الحقائق بيننا ، وخضنا
في بحور المعارف ، وتذاكرنا في فنون شتى وتحقيق أصولها، لما جبل عليه من البحث عن
حقائق الأشياء، حتى انجر الكلام بنا إلى فنون السيمياء من أوفاق و حروف وأسماء، وسألني
عن رأيي في علم الكيمياء فذكرت له ماكنت منكبا عليه من البحث عن حقائق هذه الفنون
منذ صباي أمّا علم الأوفاق وما عطف عليه
فمن الفنون التي لا ينذكرها إلاّ من يجهل انفعال المكنونات بما قام بها من السر
المنوط بها غير أن هذه الفنون تلطخت بانتحال المدّعين حتى انطمست معالمها فلا
يتوصل لها إلاّ الخصوص في الخصوص، ولا سئل إلى إنكار خصائصها بعد ان تكلم عليها من
شهد لهم الخاص والعام بالولاية والمعرفة الكبرى.
كيف تنفى خصائص
الأسماء وبالأسماء مظهر الأشياء
شاهدتها أهل الشهادة
لمّا أخلصوا قصدهم لرب السماء
وأما الكتب
المؤلفة في ذلك فهي عون للطالب على السلوك على منهج يقضي لنيل المطالب فهي كاكتب المؤلفة في
علم الكيمياء وقد قال في ذلك صاحب الشذور:
فإن
قلت فيهم النظم والنثر إن يكن ...كلامكم فيه عن القصد نائيا
فإن
جوابي عنه أن مرادنا...به رجل لا يبرح الدهر جاثيا
ولما لم يقف
الخائضون في ذلك على الاصطلاح الذي يتوصل به إلى معرفة حقائق الرسوم المؤلفة في
تلك العلوم ، وهو عند غير أهله من الأمر المحتوم كتمه المختوم عليه بطابع الكتمان
عند من لديه علمه ،وأنشدته قول جابر فيما يظنه متعاطي فن الكيمياء من أن المقصود
من العقاقر ماهو معروف عنده وليس الأمر كذلك:
للقوم
خل ثقيف يعملون به...وخبزة بدقيق الفكر قد علمت
ليس
الزرانيخ والكبريت بغيتهم...ولا زيا يقيهم تباع إن طلبت
ثم خضنا في أسرار
طريقتنا التجانية وأذكارها الخاصة بأهل المراتب العرفانية مما لا يذكرها إلا
مشافهة ولاتحمله بطون الدفاتر وإن كانت
الأسرار وتدافع عن نفسها وعقل غير مستحقها
عن الوصول إليها عاجز وفاتر وبما خضنا فيه حالة المذاكرة كان يتوهم بأن لنا يدا في
المعارف بها من بحر المعرفة الحقيقية غارق،ويتخيل له أن لنا بذلك مزية وخصوصية مع
أني بشهادة الله:
لست
شيئا أرى ولا بعض شيئ ...غير أن الكريم جاد وأعطى
وحباني
من فضله بهبات...وعلى العيب بالمكارم غطى
والذي آعطانيه
المولى جل إسمه هو حسن ظن مثل هذا السيد الجليل فينا بما جبل عليه من مكارم
الأخلاق ،وعذوبة الأذواق ببركة الانحياش إلى الجناب الأحمدي ،فرجوا من الله بجميل
ظنهم أن يحقق فينا ذلك ،وإني لاحق بأن أنشد ما قيل راجيا من المولى آن يسلك بنا
أوضح سبيل:
يظنون
بي خيرا وما بي من خير...ولكنني أرجوه من عالم السر
وما
كان هذا الظن حتى أراده...وتحقيقه إن شاء من أيسر السير
ولصاحب الترجمة
الباع الطويل في اللغتين العربية والفرنسوية يتقن الفرنسوية إتقانا تاما بفصاحة في
الأولى محكمة يستحلي السامع كلامه إذا تكلم ،وإن سكت تكسوه حلة الهيبة،فلا يتجاسر
أحد على مخاطبته إلا إذا تبسم،وقد تصدر لخطة القضاء زمنا طويلا في قطر السودان
وقطر وهران ففاز بالتقدم على غيره من الإخوان،
وقد شاهدت من بروره بنا ما زادني فيه محبة على محبة،حتى إنه طلب الرخصة من
الحكومة للذهاب معي بنفسه لتلمسان بعد أن رغبني في القدوم إليها على ما أكد به على
سيدنا الحبيب بن عبد المالك في الوجود إلى تلك البلدة لإشتياق ساداتنا الإخوان إلى
الإجتماع معي خوفا من تغيير خاطرهم إذا لم أساعدهم بالوصول لتلك البقاع ،فساعدته
الحكومة على ذلك فاقتطع الورقة للركوب ببابور البر لي وله من عنده ،وسرنا إلى
تلمسان في رفقته مسير البدر في مطلع سعده بعد أن قضيت أياما بوهران ،وسأعيد القول
في هذا الموضوع بحول الله وسألته عن المقصود بالتماثيل الموضوعة على أبواب
المحكمات ومعنى الرسم العجمي المرقوم عليه،فذكر لي أن ذلك إشارة إلى المساواة
والحرية والأخوة ، وكذلك التماثيل المذكورة وبعد مفارقتي لصاحب الترجمة بالجسم دون
الروح كاتبته بهذه القصيدة:
صفوا
لحبيبي ما ترون من أشجاني...وما قد دهاني بعده بين إخواني
فقد
صدري من نواه ولم أجد...لحمل الذي لاقيت صبرا لوجدان
أحن
له والشوق يزداد في النوى ...حنين مشوق في أحبته فإن
ويزداد
شوقي عند قصدي لمضجعي ...فتشغل أفكاري وتسهر أجفاني
فلا
النوم ياتيني فأبصر طيفه...ولو في المنام
لا ولا الصبر يلقاني
فاسكب
طول اليل دمعا مزجته...دما كاد يحكيه شقائق نعمان
ولو
لا انسكاب الدمع ذبت من الجوى...ولو لا الجوى ما فاض مني عيان
وأحس
زفراتي التي أجج الهوى ...لواعجها بين الحشا بعد أحزان
وكنت
خلي البال لكني شغلته ...بحبي حبيبا في محبته عان
وما
كنت أحجوا أن أكون مقيدا...بحبي ويرميني ببعد وهجران
وما
ضره لو كان بعد بعاده...يحملكم منه السلام على الفاني
أنا
ذلك الفاني الذي لست معرض...وحق الهوى عنه لغير بسلوان
ولكنني
أسلو بمدحي لأحمد ابن ددوش... قاضي العصرفي قطر وهران
محل
ودادي بالذي قد رأيته...له من وداد صادق بين إخواني
وأخلص
في صدق المحبة جهده...ولم يال جهدا من وداد وإحسان
فأكرم
به من سيد ساد غيره...بفضل عظيم فيه ماختلف اثنان
لفد
شاع من بين الأفاضل فضله...بغرب وشرق من ذكور ونسوان
يخوض
من العلم البحار بفكره...ويخرج منها در سر ومرجان
ويقتنص
الأسرار مهما بدت له...بألطف آداب وأكمل عرفان
فيظفر
بالمقصود في كل مطلب ...إذا رامه من كل جن وإنسان
ولي
فيه من بين الرجال فراسة...تفرستها فيه بحق وإيقان
وذلك
إن دام اجتهاد اعتنائه ...سيصبح ذا التصريف في كل الآكوان
فقد
نال من سير التجاني معارفا ...بها صار في العليا متوج تيجان
فصار
رفيع الفدر تعنو لمجده...برؤوسها في الكون سائر الأعيان
فلا
زال يلقى كل قصد ميسرا...بلا تعب يلقاه من غير نقصان
وقد أجابني عنها
بكتاب بديع الخطاب لولا ما اشتمل عليه من إطرائي بالمدح والثناء لذكرته في هذا
المحل،ولكن ضربنا عنه صفحا حذرا من غرور النفس بما ليس فيها من التنويه برفع
الشأن،مع أنَّها مقيدة بقيد الكسل عن المسارعة لخير العمل ،والله أسأل التوفيق لي
وله ولمن أحبه لما فيه رضا المولى ،ويجعلنا لقبوله أهلا آمين.
·
من كتاب الرحلة الحبيبية الوهرانية الجامعة للطائف العرفانية للقاضي أحمد سكيرج.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire