كارانتيكا ......اكلة تجمع اغنياء و فقراء الجزائر
يأكلها الصغار والكبار، الفقراء والأغنياء، توضع على موائد الأسر البسيطة، وتجدها في أفخم
الفنادق والمطاعم،.. إنها الأكلة الشعبية الأكثر انتشارا في الغرب الجزائري والتي تسمى "كارانتيكا".
وتنتشر تلك الأكلة في عشرات المحال بمدينة وهران، عاصمة الغرب الجزائري، كما تقدمها "البسطات" (أماكن بسيطة لبيع الأطعمة على الأرصفة).
ويعود ظهور تلك الأكلة في شمال إفريقيا، وبشكل خاص في الغرب الجزائري، وفق مختصين، إلى القرن السادس عشر الميلادي، أثناء الاحتلال الإسباني لمدينة وهران، والذي استمر لأكثر من قرن.
و"كارانتيكا" تتكون من حمص مطحون وماء وقليل من البيض، وتُحضر بسرعة وتوضع في الفرن تحت درجة حرارة معينة لتصبح جاهزة للأكل خلال دقائق.
سهولة تحضير "كارانتيكا" من ناحية، ورخص ثمنها من ناحية أخرى، جعلها بحسب عدد من السكان، سيدة مائدة الغرب الجزائري.
أمام محل صغير لبيع "كارانتيكا" في شارع حوحة تلمسان، بمدينة وهران، يتدافع العشرات للحصول على نصيبهم من هذه الأكلة.
الواقفون أما المحل الذي حمل اسم "محل مسعود"، ويعد أحد أشهر المحلات التي تبيع هذا الطبق، يتسلمون "كارانتيكا" في الخبز أو في قطع من الورق ويلتهمونها ساخنة مع مسحوق الفلفل الحار، إنه مشهد يومي في مدن الغرب الجزائري، حيث تنتشر محلات بيع تلك الأكلة.
وفي شوارع أخرى في وهران، ذات المليوني نسمة (وهي أكبر مدينة بعد العاصمة الجزائر) يسير بعض الباعة بعربات جر يدوي؛ تسمى باللهجة الجزائرية "برويطة"، ويرفعون أصواتهم "أيا الكاران أيا الحامي" أي تعالوا لشراء "كارانتيكا" حيث تحمل أسماء أخرى منها "الكاران" و"الحامي".
ومن أهم مميزات "كارانتيكا"، أنك بمبلغ زهيد نسبيا 10 دينار (أقل من 10 سنت أمريكي)، يمكنك أن تأكل وجبة مشبعة، كما أنك ستجد هذه الوجبة في كل شارع وكل حي.
وفي مدن أخرى بالغرب الجزائري مثل "تلمسان"، "سيدي بلعباس"، "مستغانم"، "معسكر"، تعد الكارنتيكا الطبق اليومي في البيوت وفي الورشات.
عطاء الله زريد، صاحب مطعم شعبي من مدينة تلمسان (غرب)، يقول: "تعد الكارانتيكا، الطبق الأكثر استهلاكا في تلمسان؛ والسبب هو أنها رخيصة ومتاحة في كل مكان".
فيما يقول مسعود ميطاوي، صاحب مطعم من وهران: "لا يوجد بيت في المدينة لا يتناول أهله الكارانتيكا، ولو مرة واحدة في اليوم، الناس هنا لا يتصورون العيش بدونها، إنها الطبق الشعبي الذي يأكله الأغنياء والفقراء الصغار والكبار".
قريشي عبد الرزاق، أستاذ الطبخ التقليدي في مدرسة السياحة والفندقة بوهران، يرى أن "الكارانتيكا، وجبة أو أكلة إسبانية جلبها الإسبان معهم إلى وهران، في القرن السادس عشر".
ووفق عبد الرزاق، "تشير دراسات تاريخية إلى أن هذه الوجبة لم تنتشر في وهران وفي الغرب الجزائري أثناء الاحتلال الإسباني، في القرن السادس عشر، وبقي انتشارها منحصرا في منطقة حي سانتا كروز بأعالي وهران".
ويتابع: "ومع الاحتلال الفرنسي للجزائر في عام 1830 عاد الاسبان إلى وهران تحت حماية الفرنسيين حيث تحولوا إلى مستوطنين في المدينة ونشروا وجبة الكارانتيكا في وهران في القرنين التاسع عشر والعشرين حتى صارت الوجبة الأكثر شعبية في الغرب الجزائري".
و"الكارانتيكا تسمى أيضا الحامي والكاران في الغرب الجزائري وفي الوسط الجزائري تسمى قرنطيطة، وتختلف طريقة إعدادها حيث يعمد بعض الطهاة لإضافة الكمون لها كما يعمد آخرون لوضع الزيتون داخلها إلا أنها تتكون في الأصل من الحمص المسحوق الماء والبيض فقط وهي الطبق الأهم للفقراء في الغرب الجزائري، كما أنها طبق يومي في الموائد الوهرانية"، بحسب عبد الرزاق.
وتاريخ تلك الأكلة، يقول الدكتور مدوار عبد الله، الباحث في تاريخ شمال إفريقيا، إن "بعض الروايات التاريخية تشير إلى أن سكان وهران أقاموا احتفالات كبيرة بخروج المحتلين الإسبان من مدينتهم، وعند اقتحام قلعة سانتا كروز الشهيرة (في وهران) في 1792، فوجئ الجزائريون بوجود مخزون كبير من المؤن تتمثل في مسحوق الحمص، فبادروا لطهوه في مختلف أرجاء المدينة؛ احتفالا بمغادرة الاحتلال الإسباني للمدينة".
ومن الروايات المشهورة عن أصل الكارانتيكا في وهران، أن الإسبان الذين احتلوا المدينة في الفترة ما بين 1509 و1792، تم حصارهم في قلعة سانتا كروز، الواقعة في أعلى جبل صغير يطل على كامل المدينة، ولما طال عليهم الحصار ونفذت منهم المؤن، باستثناء الحمص، الذي هطلت عليه المطر، فسحقوه وطبخوه، ومن يومها بدأ مسحوق الحمص المطبوخ (الكارنتيكا) في الانتشار في وهران.
إلا أن عادة أكل طبق الكارانتيكا، في وهران على نطاق واسع ترسخت، وفق ما قاله عبد الله، للأناضول: "أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر بين عامي 1830و 1962، حيث شكلت الجالية الإسبانية أغلبية سكان وهران، أثناء الاحتلال الفرنسي للمدينة".
ويضيف: "أدت الحروب التي أعقبت طرد المسلمين من الأندلس بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، إلى انتشار كبير للثقافة الاسبانية والبرتغالية في الغرب الجزائر وفي المملكة المغربية، حيث تنتشر عادات إسبانية وأطعمة إسبانية أيضا".
وكالة انباء الاناضول