mercredi 11 juillet 2018

وهران في أدب الرحالة

وهران في أدب الرحالة


( من ) قراءة في كتاب : ثلاث سنوات في شمال غربي إفريقيا
للرحالة الألماني :هاينريش فون مالتسان 
ترجمة أبو العيد دودو 
حسن بربورة – ماستر تاريخ حديث و معاصر 
جامعة زيان عاشور - الجلفة 2010
الرحلة من أرزيو إلى وهران
يتكلم مالتسان في هذا الفصل عن مدينة أرزيو القديمة الرومانية و هي مدينة ( أرزيناريا ) أو ( أرسينا ) و عن آثارها من العصر الروماني و الفينيقي قبله، كما يصف النقوش الفينيقية بالمنطقة و التي يقول أنها موجودة بمتحف الجزائر ( تلك الفترة ).
ثم ينتقل بنا للحديث عن أرزيو الحالية ( القرن 19 ) و عن استقرار الفرنسيين بها سنة 1846 فينقل لنا ص 18: ( لم يستقر الفرنسيون في أرزيو إلا سنة 1846، و يبلغ عدد سكانها اليوم ألف أوربي نصفهم من الاسبان.. )، كما يصف فيها بعض الأبنية الأوربية ( كفندق الوصاية ).
و قد زار مالتسان في طريقه من أرزيو لوهران الكثير من القرى كسانت ليوني (بوفاطيس) و وصف حالة البؤس التي يعيشها سكانها، و قرية سان كلو ( قديل ) و يشير هنا إلى نقطة مهمة و هي أن عملية استغلال الأراضي و تعميرها قد نجحت في منطقة وهران أكثر من غيرها و السبب كما يراه يعود إلى وجود جاليات أخرى غير الفرنسيين كالأندلسيين و السويسريين و الألزاسيين و حتى الروسيين، ثم يمر على قرى أخرى كقرية كليبر ( سيدي بن يبقى )، و قرية أركول ( بير الجير ) و هي مستعمرة أخرى أنشئت سنة 1848 هي و قرية فلوروس ( حسيان الطوال ).ليصل في الأخير إلى جبل السبع أو ( جبل القديس أوغستين ) فيقول ص 24: ( بعدئذ يطالعنا منظر البحر الذي تحتل فيه وهران ثاني مدينة في الجزائر نقطة متميزة.. هذه المدينة التي فتحها خيمينيس قديما ).
مدينة وهران :
يقول مالتسان أن وهران و بالنظر لمبانيها يمكن أن تكون في أوربا، فليس هناك في الجزائر مدينة فقدت طابعها العربي مثلما فقدته وهران، و هذا بسبب أنها بقيت بأيدي الاسبان حتى نهاية القرن الماضي ( أي القرن 18 )، و بذلك فهي لم تبقى تحت حكم داي أكثر من ثلاثين سنة.
و موقع وهران كما يصفه المؤلف غير منتظم، حيث تتكون من مدن صغيرة متعددة تفصل بينها هوة عميقة إلى حد ما يسيل عبرها واد الرهى، و من ثم يواصل مالتسان وصف مدينة وهران و بناياتها و شوارعها و حتى أشجارها فيقول ص 33 مثلا ( و لا شك أن المدينة الاسبانية القديمة التي أعيد بناؤها اليوم من أجمل أقسام المدينة، ففيها بناية البحرية و المستشفى العسكري و الكنيسة الرئيسية، و هي اسبانية في الأصل، أما القسم الفرنسي الأعلى من المدينة فيحتوي على الثكنة و بعض البنايات العامة، و يحتوي كذلك على أحسن الفنادق و المقاهي )، و يتعجب مالتسان فيقول ص 34 ( و قد يكون من الصعب أن يصدق المرء أن وهران رغم أهميتها لا يسكنها إلا 21000 نسمة منهم 4700 من الفرنسيين و حوالي 8000 من الاسبان و 1000 من ذوي الجنسيات الأوربية المختلفة و 7000 من الأهالي أغلبهم من اليهود الذين يتمتعون بالثراء و الغرور.
ليعود بنا مالتسان بعد ذلك قليلا للوراء و يكلمنا عن اسم وهران القديم أو visa colonia كما يسميها المؤرخ بطليموس، أما بير بروجير فيعتقد أن وهران مدينة عربية.
و يتحدث مالتسان أيضا عن مرحلة مهمة في تاريخ هذه المدينة ألا و هي فترة الاحتلال الاسباني أين قام الكاردينال المتعصب خيمينيس بضم وهران عام 1509 إلى التاج القشتالي بعد أن فُتِح المرسى الكبير بأمر منه سنة 1505، كما انتقد مالتسان كذلك أعمال الأسبان و فظائعهم في وهران، و سخر من الكاردينال خيمينيس فقال عنه ( ص 29 ) : ( و حضر أكبر فقهاء المسيحيين، و هذا هو الاسم الذي أطلقه العرب على خيمينيس، و بعد أن استولى على القلعة و المدينة، لم يعرف أي عمل يستدعي سرعة التنفيذ غير اتخاذ تدابير تدل على عنصريته و تعصبه، فقد حول الجامعين الرئيسيين إلى كنيستين، و أنشأ ديرين لتنصير المسلمين، و نصب مفتشا لمتابعة الزنادقة، و لم يتورع الأسبان المتدينون، هؤلاء المسيحيون الطيبون.. عن نهب المدينة و ذبح الآلاف من حضرها )، و يقول مالتسان أن وهران قد عرفت في الفترة الأولى للاحتلال الاسباني ازدهارا لم تطل مدته فينقل لنا في نفس الصفحة السابقة 29 (.. فالكتب التاريخية تحدثنا أن كبار اسبانيا و جنوب ايطاليا كانوا يلتقون في وهران شتاء، فكانت حياة البذخ و الترف و اللهو تسيطر على المدينة، و من هنا أطلق عليها الاسبان اسم القصر الصغير ).
بعدها يضيف مالتسان أن قوة أتراك الجزائر المتزايدة أنهت الاحتلال الاسباني لوهران.
و يشيد المؤلف بمعاملة الحضر الحسنة للأسباني الوحيد الذي بقي في وهران بعد استعادتها من الأسبان، و عاش فيها إلى أن احتلها الفرنسيون بعد ذلك بسنوات عديدة، و لا شك أن كلاما من هذا النوع لا يمكن أن نقرأه في أي نص من النصوص الفرنسية.
و خلال كل ما سبق يقدم لنا مالتسان كثيرا من القصص التي حدثت له في وهران و التي تعتبر من تجاربه الشخصية منها حادثة سرقته في إحدى حمامات المدينة و التي يتهم فيها جنديا فرنسيا و كان يعرف رقم كتيبته، فكتب أوصافة و اشتكاه إلى ضابطه في الكتيبة العسكرية الذي أكد له أن سيستعيد نقوده و ساعاته و أقفاله المذهبة، فيقول مالتسان و لكني انتظرت حتى الآن عبثا، و سوف أنتظر أيضا مدى الحياة دون جدوى !
(إنتهى)
------------------------------------
من هو هاينريش فون مالتسان
هاينريش فون مالتسان Heinrich Von Maltzan (عاش 6 سبتمبر 1826 - 23 فبراير 1874) عالم آثار و رحالة ألماني أهتم بحياة الشعوب الشرقية و خاصة العربية زار المغرب و الجزائر و تونس كما زار مكة متنكرا في زي حاج وكتب تقريرا في 750 صفحة عن رحلته تلك.

.

Aucun commentaire:

معسكرات إعادة التجميع، أو كيف عملت فرنسا على تفكيك الأرياف الجزائرية

 حرب التحرير الجزائرية معسكرات إعادة التجميع، أو كيف عملت فرنسا على تفكيك الأرياف الجزائرية خلال حرب الاستقلال، قام الجيش الفرنسي بتجميع سكا...