samedi 3 février 2018

سلاك المغبون من أرض القفار

سلاك المغبون من أرض القفار
قصيدة للسيد محمد بن الخير رحمه الله : سلاك المغبون من أرض القفار
سَـلاَّكْ الْمَـغْـبُـونْ مَـنْ أَرْضْ الْـقِـفَـارْ
قَـادَرْ كُـلْ غْـرِيـبْ لَـبْـلاَدُه تَـدِّيـهْ
فَرَّجْ يَا رَبِّي عْلَى مَنْ ذَاقَتْ بِهْ
سَـلَّكْـنِي مَـنْ بِينْ سَـدْ وُ صَـدْ حْـجَارْ
يْـشُـوفْ الْمَـغْـبُونْ لَـكَـانْ بْـعَيْـنِيـهْ
سَـلَّكْنِي مَنْ ضِيقْ الاَعْـرَى مْـنَ التَّـزْيَارْ
قَـادَرْ تَـبْـنِـي الرِّيـحْ وَ الْكَـافْ تْوَطِّـيهْ
سَـلَّكْـتْ ابْـرَاهِـيمْ مَنْ لَـهْفَـاتْ النَّـارْ
بَــرْدًا وَ سَـلاَمْ حَـاجَـة مَـا تَــاذِِيـهْ
رَزْقََـكْ وَ امْـرَكْ مَا عْلَمْـنَا لِيهْ اخْـبَـارْ
قَـادَرْ تَـفْنِي الْحَـيّْ وَ الْمَـيَّـتْ تَـحْيِِيـهْ
الْعَـبْدْ الضَّـعِيفْ مَـا طَـايَڤْ لَـضْـرَارْ
هَـمّْ الْحَـبْـسْ وُ زَادْ هَـمّْ الضُّـرّْ عْـلِيـهْ
الـطَّـيَّـبْ لَـلـنَّـاسْ لِـيَ رَاهْ مْـرَارْ
الشَّـكْـوَة لَـلِّي خْـلَـقْـنِي لاَ غَـيْـرِيـهْ
تْــعَــزّْ الْـمَـذْلُـولْ وَ تْـذَلْ الْـڤُـدَّارْ
وَ تْـنَـزَّلْ مَنْ كَـانْ مَـرْفُـوعْ بْـجَنْحِـيهْ
قَـوِيٌّ وَ مَـتِــيـنْ شَـبَّـابْ الِّـي بَـارْ
رَزْقِـي وَ الْمَـكْـتُوبْ وَ الْقُـدْرَة بِيـدِيـهْ
سَـلَّكْـنِي مَنْ بِينْ الاَقْـرَاسْ وُ الاَشْـفَـارْ
تَـاتِـنـي بَـشْـبُـوبْ عَـزّْ الاَّ نَـدْرِيـهْ
سَـهَّـلِّـي يَا خَـالْـقِـي فِـيمَا نَـخْـتَارْ
حَـبْـسْ الْغُـرْبَة لاَ تْـخَـلِّي وَاحَـدْ فِـيهْ
أَهْـلْ الْخِـيرْ بْـلاَ جْـمِيلْ وُ لاَ تَـفْخَـارْ
كِـي وَلْـدْ ابْـرَاهِـيـمْ مُـحَمَّـدْ نَـجِّيـهْ
رَضِّـي عَـنُّه بُـوهْ بَـنْ عَـبْدْ الْجَـبَّـار
بَـاوْلاَدُه وَ جْـمَاعْـتُـه رَبِّـي لَـقِّـيـهْ
سَـهَّـلِّي يَـا خَـالْقِـي فِـيمَـا نَـخْـتَارْ
ڤَـلْبِي يَـبْغِي غِـيرْ مْـنَ الْبَـيَّضْ وَ لْـهِيهْ
نَـتْـنَـزَّهْ فِـي صَـحْـرَةْ بْـلاَدْ الْقِـفَـارْ
نْـشُـوفْ اسْـيَـادِي اهْـلْ النِّـيفْ مُّـالِيهْ
مَـنْ عَـنْـدْ الْمَحْـبُوبْ مَا جَـانِي بَـشَّارْ
عَـجَّـلْ يَـا رَبِّي يْجِـينِي وَ الاَّ نْـجِـيـهْ
مُـولَـى سَـبْعْ ڤْـبَابْ مَـرْكَاحْ الزَّيَّـارْ
مُـولَـى السَّـرّْ الظَّـاهَـرْ عْـلِيَ رَضِّـيهْ
مَـا بِـيَّـاشْ الْحَـبْـسْ بِيَ عَـيْبْ وُ عَـارْ
وَ يْـڤُـولُـوا هَـذَا بْـسِيـدُه وَ سْـمَحْ فِـيهْ
مُـحَمَّـدْ بَالْخَـيْـرْ عَـبْـدْ بْـلاَ تَـحْـرَارْ
نَـحْسَـبْ سِـيـدْ الشِّـيـخْ لِيَ وَانَـا لِـيهْ
يَا حَـسْـرَاه رْفَـاڤْـتِي وَ حْـنَـا هُـجَّـارْ
وَثْـرَنْ دُرْكْ النَّـاسْ غِـيـرْ أَنَـا نَـبْـغِيهْ
يَا حَـسْـرَاهْ عْـلَـى سْـمَاحَـتِي الاَحْـرَارْ
يُـومْ انْ غَـابْ رْفِيڤْـهُمْ مَا حَـارُوا فِـيـهْ
يَا حَـسْـرَاهْ عْـلَـى مْـلاَعَبْ فِي الاَڤْـوَارْ
مَـشْلِيَـة مَـنَّـا وُ مَـشْـلِـيَـة مَـلْهِيـهْ
نَـبَّاشِيـنْ الْخَـيْـلْ بَـشْـبُورْ التَّـسْـطَارْ
وَ لْـبَـاسْ الْهَـمَّـة الْمَـجْـبُودْ يْـوَاتِـيهْ
يَا حَـسْـرَاهْ عْـلَى نْـڤَـارْ ڤْـبَـالْ نْـڤَارْ
كَـذَا مَنْ قَـبْـطَـانْ بَـعْـلاَمُـه طَـوِيـهْ
يَا حَـسْـرَاهْ مْـنِيـنْ كَانْ الشَّـطْ عْـبَـارْ
الْمَـغْـلُوبْ يْـفُـوتْ حَـقَّـهْ وَ يْـخَـلِّيـهْ
يَا حَـسْـرَاهْ مْـنِيـنْ سَـلْسَـلْـنَا الْڤُـدَّارْ
كَـانْ الْعَـزّْ الاَّ مْـنَ الْبَـيَّـضْ وَ لْـهِيـهْ
يْـجِي يُـومْ حْـلُـو وُ يُـومْ ڤْـبَالُـه حَـارْ
وَ يْـجِي يُـومْ عْـدُو وُ الاَخُـرْ نَـزْهُوا فِيهْ
أَمْـرَ الله قْـرِيـبْ وَ يْـدُورْ الْمَـشْــوَارْ
رَبِّـي قَـالْ الظَّـانَّـهْ عَـبْـدِي نُـوفِـيـهْ
نَـتَّـنُـوا الاَيَّـامْ وَ الْـفَـلْـكْ إِذَا دَارْ
بِـيـنْ الْكَـافْ وُ نُـونْ شَانْ الله يَقْـضِيـهْ
نَـرْجُـوا نَـوْبَتْنَـا وُ تَـتْبَـدَّلْ الاَسْـعَـارْ
بْــجَـاهْ الرَّسُــولْ مُــحَـمَّـدْ نَـبِيـهْ
بْـجَـاهْ الرَّسُـولْ وَ اصْـحَـابُـه الاَبْـرَارْ
بُـوبَـكْـرْ الصِّـدِّيـقْ وَ الْمُـصَـدَّقْ بِـهْ
فَى السَّـابَـقْ رَانِي رْمِـيـتْ عْـلِيهْ الْعَـارْ
نَـسْـتَنَّى فَى الْجَـارْ الاَيْـمَـنْ نْـسَامِيـهْ
أَغْـفَـرْ يَـا غَـفَّـارْ لاُمَّـةْ الْمُـخْـتَـارْ
الْـعَـبْـدْ إِذَا تَـابْ تَـابْ الله عْـلِـيـهْ
سَـلَّكْـنَا مَـنْ هَـوْلْ ذِيـكْ وُ هَـذَا الـدَّارْ
فِيَ ذَنْـبْ كْـثِـيـرْ يَـاسَـرْ مَا نَحْـصِيـهْ
يَـا حَـلِيـمْ وُ يَـا كْـرِيـمْ وُ يَـا سَـتَّـارْ
أَسْـتُـرْ عَـيْبِي مَـا عْـلَـمْ حَـدّْ نْـوَرِّيهْ
أَغْـفَـرْ يَا غَـفَّـارْ لَـجْمِيـعْ الْحُـضَّـارْ
لَـلـنَّـاظَـمْ الاَشْـعَـارْ وَ لِـوَالِـدِيـهْ

الاستعمار الفرنسي ومدينة وهران.

الاستعمار الفرنسي ومدينة وهران.
في 4 يناير 1831 دخل الجنرال شارل-ماري دينيس دامريمون قائد البعثة الفرنسية وهران التي كانت لا تزال تحمل آثار الزلزال الذي ضربها عام 1790 والذي دمرها بشكل كبير. وفي 17 أوت من نفس السنة أسس الجنرال فودواس حامية منها الكتيبة الرابعة بالفيلق الأجنبي وجعل من وهران منطلقا لغزو الجنوب الوهراني.

jeudi 1 février 2018

دور"جيش الطلبة" في تحرير وهران من الاحتلال الإسباني



دور"جيش الطلبة" في تحرير وهران من الاحتلال الإسباني
هكذا تمكن المرابطون الشجعان من كسر شوكة حاملي الصلبان

زهاء ثلاثة قرون من 1509 إلى 1792، من حالة حرب دائمة إلى غاية استسلام ملك إسبانيا شارل الرابع (Charles IV) الذي أمر بتسليم مفتاح وهران المصنوع من الذهب الخالص للباي محمد بن عثمان الكبير بمعسكر.
احتلت وهران من قبل الإسبان سنة 1509 وكانت آنذاك تابعة لملك تلمسان قبل أن يستولي عليها جيش الكاردينال خيميناز دوسيسنروس (Ximenez de Cisneros)، كبير أساقفة طليطلة وحاكم إسبانيا، ردا على الهجمات المتعددة للأسطول الجزائري التي كانت تنطلق من المرسى الكبير في اتجاهي ميناءي أليكانت ومالقا. وفي بداية القرن السادس عشر وبعد معركة كبرى استشهد فيها الكثير من الأهالي والطلبة وعلى رأسهم أول عالم شهيد، العالم الجليل "بوجلال المشرفي". حيث ونظرا لمكانته قام الاسبان بتغسيله وتحنيطه ثم بعثوا بجثمانه إلى أهله حيث دفن بمسجد سيدي يوسف بالكرط (معسكر القديمة). جدير بالذكر
أن "بوجلال المشرفي" ليس هو سيدي محمد بوجلال دفين مدينة معسكر.
نشأة "جيش الطلبة" في معسكر
في سنة 1708 تم تحريرمدينة وهران من قبل باي معسكر مصطفى بن يوسف المدعو بوشلاغم. وفي سنة 1732 تم استرجاعها من قبل الإسبان الذين أبوا التخلي عن هذا الموقع الإستراتيجي بإفريقيا.
في عام 1792 تم تحرير وهران نهائيا من قبل باي معسكر محمد بن عثمان الكبير، بمساعدة جيش الطلبة. ومن سنة 1509 إلى 1792 لم يكن هناك سلام نهائي، إذ تعاقبت فترات الهدوء والحروب التي تخللتها تحرشات وهجمات مستمرة من قبل الأتراك والأهالي.
أما استرجاع وهران عام 1708 من قبل الباي بوشلاغم، لم يكن إلا نتاج الحصار المتكرر وسلسلة من الهجمات كانت جميعها كارثية على الإسبان. نذكر بعض منها بصفة وجيزة:
سنة 1556: توفي الباشا صلاح رايس إثر إصابته بمرض الطاعون وهو في طريقه إلى وهران ليقود حملة كبيرة..
سنة 1558: قاد حسان باشا حملة وصلت إلى مستغانم، حيث توفي حاكم وهران، الكونت ألكوديت (le comte Alcaudète).
بتاريخ 4 مايو 1563، اقترب حسان باشا من مرسى الكبير حيث استولى على حصن سان ميقال. (Le fort San Miguel)
سنة 1580: هاجم سافر باشا المدينة.
سنة 1657: محاولة فاشلة من إبراهيم خوجة.
سنة 1679: كان قائد الجيوش الأعلى تريك Trick يقوم بمناورات عسكرية قبالة وهران.
وفي سنة 1703 : قام حسيني كوجين بمحاولة ضد وهران. ما بين سنة 1705 و1707 حاول كل من بوشلاغم وبخداش بالاستيلاء على وهران.
مكنت فترة الهدوء التي دامت 24 سنة، من بروز فكرة تجسدت سنوات من بعد بميلاد منظمة جديدة سميت "جيش الطلبة"، بمعنى وكما تبين من الاسم، جيش مشكل من "طلبة" يقوده علماء مفكرون رفعوا السلاح بصفة تلقائية ضد المحتل الإسباني.
في بداية القرن (حوالي 1701) تم إنشاء بايلك الغرب بمازونة أولا وعقب ذلك بمعسكر، لذا ترك الباي مصطفى بوشلاغم مازونة للإقامة بمعسكر، وبالضبط في مدينة "الكرط" أو معسكر القديمة. كما أصبح مصطفى بوشلاغم أول باي لمعسكر.
فور وصوله إلى الكرط، أنشأ بوشلاغم ثكنة، وأحاط نفسه بمجلس من العلماء، لعلمه بمدى تأثيرهم على السكان...في الحقيقة، كان يتجهز لتحرير وهران، لكن الجيش النظامي للباي كان غير كاف، لذا ناد الباي وعلماء معسكر إلى الجهاد كرد على الاحتلال الاسباني الذي لم يكن يخفي نيته في شن حملة صليبية بالجزائر من أجل تنصيرها.
وتم الاحتلال الإسباني باسم ملوك الكاثوليك وباسم الصليب وبدأ التنصير مباشرة. حيث اعتاد الإسبانيون سريعا على تنصير الأطفال حديثي السن الذين تم أسرهم في الغزوات وتربيتهم على الديانة المسيحية.
وبقي وقع التوغلات الاسبانية في منتصف القرن 16 راسخة بالذاكرة : حيث تم مهاجمة ناحية معسكر (وادي تاغية، نسمط، البنيان)، تلمسان ومستغانم. استشهد خلالها أحد الأعيان المسمى العروسي بسهل غريس بمعسكر (حيث قطعت رأسه وحملت إلى وهران).
بمعسكر تم نهب وسلب الكرط سنة 1542، وهدم مكتبة عرش المشارف التي كان لها وقعا أليما على الجميع. كانت المقاومة الشعبية حتمية وكانت نتائجها مثمرة.
عندما أمر بخداش، باشا الجزائر العاصمة، الباي مصطفى بوشلاغم بتحرير وهران، غادر هذا الأخير مدينة الكرط برفقة عديد من "الطلبة" (تلاميذ المدارس القرآنية والزوايا) وعلى رأسهم شيوخ الإسلام والجهاد، الذين تطوعوا وخرجوا إما منفردين أو جماعة، مسلحين جميعهم بنفس الحافز : الدفاع عن معتقدهم وطرد المحتل.
تمثلت مهمة "الطلبة" و"العلماء" في تشكيل مراكز متقدمة بغرض الحيلولة دون توغل الإسبان داخل الأراضي.
حسب بعض المؤرخين، فإن مصدر القرار الذي اتخذه داي الجزائر العاصمة محمد بخداش مطلع 1702 لطرد النصارى، كان نتيجة تأثير طالب علم من الجزائر العاصمة يدعى "ابن أكوجيل".
معارك "جيش الطلبة"
بمساعدة أتراك الجزائر العاصمة، قام الباي بوشلاغم والطلبة المرافقين له بإعداد العدة لحصار مدينة وهران الذي دام خمسة أشهر. فقد رافق الداي بنفسه الجيوش أمام مكان الحصار وخاطب جيشه. ثم استعاد وهران على عدة مراحل:
كان أولها الهجوم على حصن "برج العيون (Fort des Fontaines) ،ردد فيها الجنود عند الهجوم صرخة "الله أكبر"، واستسلمت الثكنة في اليوم الموالي. بعد ذلك كان الهجوم على حصن "سانتا كروز" ( Fort Santa Cruz) سقطت الثكنة بعد غارة واحدة. حينها تم سجن 106 رجال و06 نساء (23 جمادى الثاني). في اليوم الموالي تمت مهاجمة حصن "سان قريقوار(Fort Saint Gregoire) حيث كادت أن تدمر الثكنة عن بكرة أبيها. بعد ثلاثة أيام سقط حصن لامون (Fort la Moune ) تم القضاء على الثكنة بحد السيف.
وبعد رفع راية الإسلام فوق المناطق الرئيسية، تم الهجوم الأخير على مدينة وهران. وبالرغم من الدفاع المستميت للاسبان، تم الاستيلاء على مدينة وهران بسرعة، حيث توالت موجات المهاجمين الأتراك والأهالي دون توقف. كانت الشوارع مليئة بجثث الموتى. وفي الأخير استسلمت القصبة التي كانت قد استعدت حديثا للمقاومة.
كما سقط أيضا "شاطونوف (Château Neuf) وتم تحويل 165 فردا كانوا بالثكنة إلى رقيق. كما تم القضاء على 3000 شخص بمدينة مرسى الكبير. و جلا الإسبان المكان لدخول المنتصر إلى وهران في 20 جانفي 1708، في حين هرب النقيب شارل كارافا (Charles Carafa) إلى إسبانيا.
جعل بوشلاغم من وهران عاصمته حيث مكث فيها إلى غاية 1732. وكانت المناسبة لميلاد نواة جيش الطلبة المستقبلي.في بلد حافل بتاريخ مضطرب، واجه موجات مستمرة من المستعمرين، كان تحرك هؤلاء"الطلبة" و"العلماء" حاسما. إذ تعاقب العمل العسكري والفكري، حيث لم ينقطع تلقين أجيال المستقبل ثقافة المقاومة ضد المحتل.
وسنذكر من بين هؤلاء العلماء أشهرهم، والذي ذاع صيته ليس على مستوى الجزائر وبسهل الراشدية فحسب، بل تعدى إلى خارج الحدود بالمغرب العربي، وهو العلامة الشيخ المفكر أبو المكارم، الشيخ عبد القادر بن عبد الله المشرفي الحسني الإدريسي، والمعروف بالشيخ عبد القادر المشرفي.
كان الشيخ عبد القادر المشرفي من بين ألمع علماء العصر بالمغرب العربي وأكبر مجاهد، حيث كان يعتبره الاسبان من أخطر المناوئين لهم. وتبرز حياة هذا العالم المجاهد إقدام والتزام "الطلبة" و"العلماء" في مقاومة المحتل.بحيث تظهر مسيرة مثالية:
شيخ "جماعة العلماء" بمنطقة الراشدية. إمام الوطن "الراشدي" أي سهل غريس، أدار معهدا بالكرط (معسكر القديمة) حيث كان يعطي دروسا في الفقه يتحصل المتلقي في نهايتها على شهادات. وتمدرس على يده علماء عدة من بينهم العالم الشيخ بوراس المؤرخ المغاربي ومصطفى بن المختار جد الأمير عبد القادر من الأب، الذي طلب منه افتتاح وإدارة زاويته بالقيطنة. والباي محمد بن عثمان الكبير محرر وهران سنة 1792. بالنسبة له لم يكن هناك حد فاصل بين العلم والسيف:
شارك بجوار الباي بوشلاغم في جميع المعارك ضد المحتل الإسباني، حيث نجده في معارك 1732 عندما استعاد الإسبان مدينة وهران. حسب الشيخ بوراس أحد تلامذته، تميز الشيخ المشرفي بشغفه وحماسه للمقاومة.
وكانت سنة 1732 سنة شاقة ومنهكة لما شهدته من معارك مختلفة بوهران. ونذكر على سبيل المثال بعضها:
تم استرجاع مدينة وهران ومرسى الكبير لحساب ملك إسبانيا فيليب الخامس (Philippe V) ، في 10 جويلية 1732، من قبل الحملة التي قادها الكونت مونتيمار (Le Comte Montémar)وعند رحيل هذا الأخير من وهران إلى إسبانيا، خلفه مركيز سانتا كروز (Le marquis de Santa Cruz) حيث عين قائدا أعلى وحاكما على المنطقة التي كانت تحميها حامية قوية.
سقوط وهران ومرسى الكبير بيد المحتل الإسباني، لم يثن الأتراك والأهالي عن التمسك بخيار السلاح، بحيث لم تنقطع الهجمات والمعارك، وكان جيش الأهالي يتحرش بالثكنات دون انقطاع، إذ كانت الهجمات تنتهي بتلاقي الجنود وتشابكهم بشكل عنيف، مما كبد المهاجم خسائر كبيرة منعته بالأخص من التوغل أكثر داخل البلاد.
و بعدما تمكن التعب والضجر من ماركيز سانتاكروز (Le marquis de Santa Cruz) جراء هذه التحرشات، نظم بتاريخ 21 نوفمبر 1732 "حملة " تتكون من مائة من الجنود والعديد من الضباط، لكنه أخطأ الحساب، إذ أنه وبعد أن كبد الجيوش المشكلة من الأهالي خسائر في البداية، اصطدم في الأخير بجيشها القوي.
باعتراف من فاليخو Vallejo نفسه، تفاجأ الإسبان :حيث قام العديد من المشاة و10500 خيال بالترصد بالعدو بوادي الضيق حيث نصبوا له الكمائن.
انتهى يوم 21 نوفمبر 1732 بهزيمة للجيش الإسباني لم يسبق لها مثيل، إذ قتل ماركيز سانتاكروز (Le marquis de Santa Cruz) (لم يعثر على جثته)، وقضى العشرات من الضباط الإسبان وأسر آخرون، مثل ماركيز دوفال دوكانياس( Marquis de Valdecanas) والعقيد جوزيف بينال (Joseph Pinel).
وأشار المؤرخون إلى وفاة أحد أعيان مدينة غريس، علي بن مسعود المحمودي الحشمي.
كان الأهالي قريبين جدا من النصر، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، إذ أنه وحسب فاليخو Vallejo، حيث كانت استعادة الإسبان لمدينة وهران محض صدفة بعد "وصول حشود "إلتونيا" و "أراقون" بحرا قادمين من إسبانيا".نشير الى تطابق شهادة فاليخوVallejo والمشرفي دليل مصداقية المقاتلين الأعداء، إلى ذلك صرح المقاتلون الأهالي بأن يوم 21 نوفمبر 1732 كان يوم الهيج Haidj.
كما تعرض الإسبان إلى عدة انتكاسات جراء الحصار المفروض من قبل المرابطين "الرباط"، منع العلماء والطلبة، المرابطون في مخيمات محصنة، الاسبان من التوغل داخل الأراضي.بعد وفاة ماركيز سانتاكروز (Le marquis de Santa Cruz) ، عين الماركيز دو فيلا دارياس (Le marquis de Villadarias)كقائد عام للمنطقة، حيث شن يوم 10 مايو 1733 حملة من أجل تحرير المدينة. بعد أن تمكن من إخراج المهاجمين، تفاجأ الإسبان بـ"هجوم مضاد عنيف" من جيوش الأهالي التي استعادت أنفاسها.
سقط خلالها أكثر من 800 إسباني. كانت الهزيمة شنعاء خلع على إثرها ماركيز فيلادارياس (Le marquis de Villadarias)، ليعين بدلا عنه جوزيف فاليخو Joseph Vallejo.
بالنسبة للعلماء، لم تكن المعركة منتهية، حيث أنه بعد السيف استخدم الشيخ المشرفي قلمه لمحاربة المحتل الإسباني.
في إحدى كتاباته : "بهجة الناظر" أصدر فتوى لقت رواجا وقتها (1764) انتقد فيها بشدة ودون مجاملة أو مداهنة القبائل التي كانت تهرول إلى الاعتراف بالسلطة الإسبانية مما كان يعيق نشاط المقاتلين الأهالي. كان لهذه الفتوى صدى وتأثير إيجابي على الأهالي ما أدى إلى رفض مهادنة الإسبان مما أزعج ملك الإسبان وقوض أهداف ومشاريع الكنيسة في الانتشار والتنصير. مما أدى بفاليخو Vallejo القائد الأعلى لمنطقة وهران إلى التنديد بهذه الفتوى على الشعوب "الأهاليية"، إذ انحسر وانكمش التعاون مع الإسبان لصالح "الجهاد" وبدأت مقاومة المحتل.
فقد أثر كتاب "بهجة الناظر" بشكل ملحوظ على الأجيال القادمة.
بعد استنباط دروس الأمس، قام باي معسكر محمد بن عثمان الكبير بإضفاء طابع المؤسسة على تنظيم"العلماء المحاربون" جيش الطلبة، وأدرجها ضمن إطار نظامي أكثر تنظيما.
شارك جيش الطلبة في تحرير وهران سنة 1708 ثم في الدفاع عنها سنة 1732، بشكل فردي أو في جماعات مستقلين عن أية وصاية.
التحرير النهائي لوهران
شرع الباي محمد بن عثمان الكبير في إعادة تنظيم جيش حديث عن طريق إخضاع الطلبة إلى سلطة الباي مع عدم التدخل في شؤونهم الداخلية. بعد التكفل التام بهم، وتموينهم من معتمدية الباي، تم جمعهم في مفرزات "رباط" في شكل معسكرات مخصصة لمنع غزوات الإسبان. ووكل إليهم التدريس دون غيرهم، (حيث حظر على الشعب الذهاب إلى مدارس أخرى).
أنشىء "جيش طلبة" بصفة رسمية بقرار سياسي وعسكري متزامنان اتفق عليه الجميع. وبهذا شهد العلماء المحاربون، بعد تأطيرهم من قبل السلطة الإدارية، تأثيرهم ينمو ومهمتهم تتحدد أكثر فأكثر. وعين الباي محمد بن عثمان الكبير سنة 1791، محمد بلجيلالي على رأس رباط "إيفري" بالقرب من وهران.
وكان نوابه:
1- الشيخ الشهيد الطاهر بن حوة، قاضي معسكر.
2- محمد المصطفى بن عبد الله بن زرفة سكرتير الباي.
3- أحمد بن محمد بن علي بن سحنون الراشدي، سكرتير الباي.
4- محمد بن علي أبو طالب المازوني، عالم مازونة الذي قدم إلى معسكر رفقة 200 طالب والذي وجه فيما بعد إلى وهران لدى محمد بلجيلالي مسؤول رباط "إيفري".
وشاركوا جميعهم في الهجوم الشامل على وهران سنة 1791، حيث سقط القاضي بن حوة شهيدا على أبواب وهران.
وزادت كتاباتهم في بطولاتهم العسكرية، إذ كلف محمد بن زرفة من قبل الباي بتأليف كتاب من أجل سرد وتدوين كل الأحداث المرتبطة بتحرير وهران.
وكان عنوان الكتاب "الرحلة القمرية في المسيرة المحمدية". كما ترك بن سحنون مؤلفا حول تحرير وهران عنوانه :"الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني".
واعتبارا من سنة 1790 شدد داي الجزائر على فكرة استرجاع وهران، وأمر باي معسكر محمد بن عثمان بالهجوم مجددا على المدينة. ومن أجل مباغتة العدو، بدأ بالهجوم على سانتاكروز "Santa Cruz" والقصبة القديمة. وبعد أن باغتته الأمطار في الطريق رجع باي معسكر إلى عاصمته، ليعود في الصيف، لتشهد طيلة الربيع حصارا وتراشقا بالمدفعية.
خلال سنة 1791 تعرض الإسبان إلى هجمات عنيفة من قبل الأتراك والأهالي وقع الهجوم الأعنف في 23 جويلية 1791.
كادت الثكنة الاسبانية أن تسقط بأيدي الأتراك والأهالي لولا قدوم تعزيزات فوج والون الكبير (Des gardes Wallones)المدربين على يد الفارس طورسي (Chevalier de Torcy) الذي خسر 266 رجلا. في 17 سبتمبر 1791 واجه تورسي Torcy هجمة أكثر عنفا.
في 18 سبتمبر 1791 على الساعة الخامسة مساء، أرسل الباي مجددا ثلاثة صفوف هجومية. "في تراص وتماسك قوي" اندفع المهاجمون، ليسقطوا وينهضوا تارة أخرى للقتال القريب رجل لرجل.
كادت فرقة بني زروال للظهرة أن تباد بكاملها (وقد سمي الحصن باسمها).رجع الباي إلى معسكره الشتوي بمعسكر. وهناك تلقى خبر استسلام الملك شارل الرابع (Charles IV). فقد فهم الاسبان أنهم لن يستطيعوا الاحتفاظ بوهران.
وتلقى الباي بن عثمان الكبير الأوامر من العاصمة المتعلقة بالاستسلام (وطلب استسلام كلي). ووقعت معاهدة من أجل تحديد شروط هذا الاستسلام.
وأمر الملك المستسلم بتسليم مفتاح وهران المصنوع من الذهب الخالص للباي بن عثمان محمد الكبير، الذي قام بدوره بتسليمه لداي الجزائر آنذاك علي أبو الحسن، ومن ثمة تم نقل مفتاح مدينة وهران الى الباب العالي بإسطنبول إلى السلطان سليم بن مصطفى خان، هذا الأخير كافأ داي الجزائر بأعلى نيشان.
أما فيما يخص مصير المسلمين الموالين للإسبان، فقد استمع إلى رأي العلماء الذين أشاروا عليه بالعفو.
قلد الداي حسان الباي بن عثمان الكبير وسام الريشة، حيث كان هذا التقليد يمنح لمن يهزم الكفار فقط. وعين محمد بن عثمان الكبير باي وهران، وتم ترفيع ابنه عصمان إلى درجة خليفة الغرب، وعين ابنه الثاني محمد قائدا على فليتا، وكان يوم النصر عظيما عظمة استرجاع المدينة.
فبالفعل كانت وهران مطمع كل القوى التي فهمت الأهمية الإستراتيجية لموقعها.
سيدعوهم التاريخ أيضا للتوثيق النهائي للحلف بين الرمح والقرآنودخل الباي محمد بن عثمان الكبير وهران منتصرا يوم 28 فبراير 1792 على رأس حشد كبير من القوات العسكرية العثمانية وجيوش الطلبة بتعداد يقارب 15000 انطلقوا من معسكر ليزدادوا عددا بمدينة سيق. وكان الطلبة في صدر المسيرة حاملين المصاحف الشريفة.
واستمر أحفادهم في ما شرعوا فيه أمثال:
الطاهر المشرفي ابن عبد القادر المشرفي الذي كان إمام الراشدية وقاضي وهران والذي درس بمسجد الباي بوهران، وآخرون أمثال:
محمد بن عبد الله سقاط المشرفي الذي درس بدوره بمسجد الباي والذي كان من المبادرين والموقعين الخمسة على مبايعة الأمير عبد القادر.
أحمد توهامي، مفتي وهران ومدرس بمسجد باي وهران.
وهكذا بات نفس جيش الطلبة على مرور الأجيال مثار فخر، حيث كان حاضرا في جميع التظاهرات المرتبطة بالقومية الجزائرية.
ننحني جميعا أمام ذكرى هؤلاء شهدائنا الشجعان.
وبتنظيمها لملتقى حول تحرير وهران، لا يسع وهران أن تجد فرصة أفضل للتعبير عن تقديرها وتبجيلها لمن سقطوا من أجل الذود عنها.
ملاحظة : نشر بموقعنا بإذن من صاحبه الشيخ الجيلالي الزاوي المشرفي وهذا يوم 30 يناير 2018 بمنزله حفظه الله وشفاه.

الشيخ محمد بن عمر الهواري

الشيخ محمد بن عمر الهواري
المغراوي من خلال روضة النسرين:
للدكتور عبد القادر بوباية


نسبه ونشأته: هو محمد بن عمر بن عثمان سبع بن عياشة بن سيد الناس بن خير الغياري المغراوي المعروف بالهواري ، ويقول المؤلف إنه وجد نسبه بخط وارث مقامه المختص بأسراره وعلومه سيدي إبراهيم التازي ، وكانت نشأته نشأة حسنة، وأوصافه في صغره أوصافا مستحسنة، ما لعب قط مع الصبيان، ولا شغله اللهو الذي كان يشتغل به أترابه من الولدان .شيوخه: كان والد الشيخ الهواري من حملة القرآن، ومن أكابر قومه وأفاضلهم، معروفا بالكرم والإيثار، وعلو الهمة في أمور الدنيا والآخرة .كان شيخه علي بن عيسى من أهل المعرفة والحذق بقراءة القرآن، وعندما أخذ في تأديبه وتعليمه رأى عليه أثر الغفلة والفتور في أحواله؛ فشدّد عليه الزجر، وأمره بتعلم الحذق والفطنة، وربما ضربه على ذلك؛ وعندما بصر به والده قال له: يا فقيه لا تضربه ودعه على حاله؛ فإني أودعته لخالقه .

























رحلاته العلمية: بعد حفظه للقرآن الكريم وهو دون العشر من السنين، خرج محمد بن عمر الهواري من وطنه حيث رحل إلى كلميتو التي دخلها، ووجد بها شيخًا من أولياء الله في غار أو خلوة؛ فدعا له أن يكون من أهل الطريق .بعدما نال الشيخ الهواري من هذا الشيخ بغيته، خرج من وطنه مهاجرًا مقبلا على طلب العلم والعبادة؛ فطاف في البلاد شرقا وغربا، وتجول في الصحاري الخالية البعيدة عن العمران ، ولا يذكر المؤلف ما هي البلاد التي زارها أو الشيوخ الذين تتلمذ عليهم.


رحيل الشيخ الهواري إلى بجاية: كان مبدأ قراءة سيدي محمد بمدينة بجاية التي دخلها بعد صومه بسنة؛ فقرأ بها على أعلامها الجلة، ومنهم الإمامين الشيخ عبد الرحمن الوغليسي والشيخ أحمد بن إدريس ، وكلام الشيخ الهواري في منظوماته مليء بالثناء على أهل بجاية، وذكر محاسنهم في الإيثار والصدقات، واشتمالهم على الغرباء، وحبهم للفقراء، وقد صرّح بلقاء جماعة من العلماء الذين أجازوه في جميع العلوم، قال المؤلف: "فأقام بها مدة أعوام مواصلا الجدّ والاجتهاد في قراءة العلوم المنقول منها والمفهوم، واستظهر هناك حفظ كثير من الكتب قلّ أن يحفظها غيره" ، ولا يفصل المؤلف في هذه النقطة أيضا حيث لا يذكر من هم العلماء الذين تتلمذ عليهم، ولا المؤلفات التي نقلها عنهم، وأجازوه فيها.سفر الشيخ الهواري إلى فاس: درس محمد بن عمر الهواري المدونة البراذعية، وبلغ فيها إلى كتاب الصيد، ثم سافر من بجاية مغربا...فوصل إلى مدينة فاس؛ فدخلها فقيرًا لا يملك شيئا...بنية صادقة في طلب العلم ولقاء مشايخ الوقت...فأخذ بها عن الإمام الحافظ الشيخ موسى العبدوسي ، وعن زعيم الفقهاء والمتكلمين الشيخ أحمد القبّاب ؛ فأقام بمدينة فاس للقراءة عليهما جملة أعوام، معروفا عند أهلها بالعلم والديانة، وكان مشايخ الوقت يعظمونه ويخاطبونه على صغر سنه بالسيادة .وفيها أكمل حفظ المدونة، وهو حينئذ ابن خمس وعشرين، وذلك سنة 776هـ/ 1374-1375م، ولم يكتف الشيخ محمد بن عمر الهواري بالدراسة وطلب العلم فقط، بل كان طلبة فاس يقرأون عليه القرآن وكتب العربية والفقه، وفي هذه السنة نظم كتابه المسمى بـ"السهو في أحكام الطهارة والصلاة"، وسمّاها في بعض كلامه بالمؤانس .رحلته إلى المشرق: بعد رحيله من مدينة فاس، انتقل محمد بن عمر الهواري إلى "الحجاز لأداء فريضة الحج، ولقاء من هنالك من أكابر العلماء الأعلام...فدخل مصر"، ولم يذكر المؤلف دراسته بها عن العرّاف وغيره ، ثم أقام مجاورًا بالحرمين مكة والمدينة عدة أعوام، وكان سكناه في مكة المشرفة برباط الفتح، ثم سافر إلى بيت المقدس ، ولم يذكر المؤلف سفره إلى الشام وتجواله فيه، ومكوثه بدمشق بالجامع الأموي زمنا يدرس العلم ويعلمه لطلبة الشام. رجوعه لمدينة وهران واستقراره بها: بعد رجوعه من البلاد المشرقية نزل بمدينة وهران، وجلس لنشر العلم وبثه، والدعاء إلى الله تعالى؛ فانتفع الخلق على يديه، وظهرت عليهم بركته، وكانت مجالسه مجالس رحمة، وخواص أصحابه كلهم أولياء .منهجه في التدريس والوعظ: قال المؤلف: حدثني جماعة من الثقات أن سيدي محمد كان إذا جلس في مجلسه يتكلم على الخواطر، وينحشر الناس إليه فيكاشفهم بأحوالهم، ويطلعهم على خفي أسرارهم...وكانت القلوب تنفعل كثيرًا لكلامه، وترق لموعظته، وتتأثر لتذكيره .وكان إذا حضر مجلسه الأغنياء وأرباب الدنيا دعاهم إلى الله بطريق الخوف، وذكرهم بآيات الرجاء وحسن الظنّ بالله، وإذا حضره أهل الصحّة والعافية من التجار ذكرهم بطريق الشكر، وحظهم على إخراج الزكاة، وأنها مطهرة للمال، ثم يندبهم لترك المعاملة مع من غلب عليه الحرام، ويبصرهم بفائدة طلب الحلال .وكان مع ذلك لا يخلو مجلسه من مفاوضة علمية ومحاضرة أدبية ومذاكرة صوفية، قال المؤلف: حدثني جماعة من الأصحاب أنه كان ربما يعرض لطلبة العلم من أهل وهران وتلمسان وغيرهم من سائر البلدان كثير من المسائل العويصة؛ فيستفتون فيها شيوخ الوقت فلا يجدون عندهم شفاء غليلهم؛ فيقصدون مجلس الشيخ سيدي محمد، ويحضرون في جملة من حضر من الناس، وقد أضمروا تلك المسائل العويصة على اختلاف أفانينها؛ فإذا أخذ الشيخ على عادته في الكلام خرج إلى تلك المسائل، وأسرع الجواب عنها، وأوضح مشكلها مُعرَّفة في قالب الوعظ؛ فيقضي منه العجب، ويبهت الحاضرون لسرعة جوابه، وحشده من الأقوال على أكمل ترتيب، ويستغربون لطافة تخلصه من المسائل إلى ما هو بسبيله من الوعظ .زهـده في لباسه وطعامه وعلمه: كان بانيا على ترك الدنيا، والانقطاع إلى الدار الآخرة...وكان زاهدًا في مطعمه وملبسه...وصرّح في كثير من كلامه أنه ما شبع قط،...وكان أكثر أكله الخبز...وأما اللباس فذكر في كثير من منظوماته أنه ما كان عليه في تجوله سوى سترة وكساء من صوف ، وفي بعض منظوماته أنه دخل مصر بثوب خلق من صوف مقتديا في ذلك بمن تقدمه من زهاد الصوفية .وكان زاهدا حتى في الكتب العلمية...فكان لا يفتقر في مجالسه العلمية تواليفه في الفقه والمناسك والآداب إلى مطالعة كتاب ولا مراجعة شيء بجميع العلوم، وتحصيله منها المنقول والمفهوم، وما كان يطالع في ذلك سوى مجرد فكره السليم ونظره المسدد القويم .وكان طعام الشيخ محمد في المفاوز والخلوات الحشيش والنبات، ويقول هذا العيش هو أطيب الطيبات؛ فإذا ورد الحاضرة وبلاد العمران، وكّل أمر غذائه إلى من يثق به من معارفه أهل الولاية والعرفان .علمه ومؤلفاته: وكان الشيخ محمد بن عمر الهواري محبًّا في العلم وأهله من لدن صباه إلى أن توفاه الله، يتأنس به في وحشته، ويجعله كالصديق في غربته، وتواليفه كلها مشحونة بفضل العلم والحضّ على تعليمه، والثناء على العلماء العاملين ، وكان ملازما لقيام الليل، ذكره في كثير من كلامه، ونصّ عليه في التنبيه، وقال في تبصرة المسائل: أهل الرقاد مثل الربيع اليابس .وكان الشيخ محمد من العلماء الزاهدين، والفقهاء المتصوفين الفقراء الشاكرين؛ فكان إماما في جميع العلوم الشرعية، مقدما في الطريقة القرآنية، أشار في منظومته إلى أنه كان يحفظ الشاطبية والألفية وكثيرًا من الكراريس المشتملة على علوم القرآن رسما وأداء ونحوًا ولغة، وذكر في كثير من كلامه معرفته بكتاب ابن عطية في التفسير، وقيامه على التفسير الكبير للإمام فخر الدين ابن الخطيب، وأما الفقه فكان مشهورًا بحفظه، معروفا بالقيام على غوامضه، مقبولا قوله في فتاويه، متبحرًا في مذهب مالك، يحفظ منه ما لم يحفظه أحد من فقهاء عصره، عارفا بالخلافيات، ذكر معرفته بعلم الخلاف في كتابه التبيان، وذكر في كثير من كلامه أنه كان يحفظ رسالة ابن أبي زيد، وشرحها للقاضي عبد الوهاب، ومن محفوظاته أيضا المدونة المسماة بالتهذيب للبراذعي، وكان إكماله لحفظها سنة 776هـ، وكان يحفظ كتاب التلقين للقاضي عبد الوهاب وكتاب جامع الأمهات لابن الحاجب، ذاكرًا شرح ابن عبد السلام، قائما على فوائده .وكان مع هذه الدرجة العظيمة التي حصلت له في سائر العلوم مداوما على طلب العلم، مُكثرًا من تعليمه وتعلمه، مُعرضًا عن النظر إلى علمه أو عمله، ومنظوماته مفصحة بذلك، وأنه كان يحتقر علمه، ولا يرضى بعلمه .وكان من أئمة علم التوحيد سالكا فيه الطريق السديد، وكان من محفوظاته في هذا الفن كتاب الإرشاد في علوم الاعتقاد تأليف إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، إمام الشافعية في وقته، وكتابه الإرشاد هو مدونة علم التوحيد، وكان الشيخ من أهل المعرفة التامة بهذا الكتاب، وكان إذا قرئ شيء منه ينطلق لسانه فيه بما لم يسبق إليه، وبما لو سمعه مؤلفه لقال له: أنت العالم بمعاني هذا الكتاب المُحكِمُ لأصول بيانه على وجه الحق والصواب .ذكر ابن صعد أبرز مؤلفات الشيخ محمد بن عمر الهواري حيث قال إنه نظم في سنة 776هـ(1374-1375م) كتابه المسمى بـ"السهو في أحكام الطهارة والصلاة"، وسمّاه في بعض كلامه بالمؤانس ، وقال في نظمه المسمى بـ"الكافية" ، ومن مؤلفاته أيضا كتاب "التنبيه"، وكتاب "تبصرة المسائل"، وكتاب "التبيان".أخلاقه وسلوكه: كان الشيخ محمد مجبولا على الكرم والإيثار، معروفا بسخاوة النفس، محبًّا في الجود، وأما السِّماط فكان لا يفارقه، قال في التبيان: ولا بدّ [من] السِّماط للجالس ومن يمشي، وذكر في منظوماته أنه كان إذا تمّ له نظم تأليف أو أمر ديني جعل لذلك سماط من الطعام، إما باللحم أو الفاكهة، ويسمي ذلك الباروك .كان الشيخ متمسكا بصفة الفقر، متحققا بفضله، مُؤثرًا له على الغنى؛ فقد كانت الصدقات والنذور ترد عليه من جميع البلاد، ويهوي بها إليه المسافرون من جميع الأقطار البعيدة؛ فيصرف ذلك لوقته، ولا يخص نفسه بشيء منه، قال ابن صعد: حدثني جماعة من الثقات أنه قال: قلّ أن يرد على وهران جفن فيه جماعة من المسلمين إلا وفيه عدة أوصلة لسيدي محمد...فكان يتصدق بكل ما يرد عليه، وينفقه على الفقراء إيثارا لصفة الفقر .كان يحب الشرفاء الكرام ويعظمهم، ويذكر حقوقهم، قال المؤلف: حدثني جماعة من أهل الخير أنه كان معظما لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، يعترف لهم بالعبودية، وإذا قدم عليه أحد من الشرفاء قام له من مجلسه، ووقف كالخديم بين يديه، وأكرم نزله، وأبان للحاضرين فضله؛ فإذا انصرف عنه زوده بما يجده في الوقت من دراهم أو ثياب، قال سيدي محمد في بعض منظوماته: والشرف من فاطمة لا من علي؛ فإطلاق الشرف على غير أولاد الحسن والحسين إنما هو بحسب التبع .ويختم المؤلف هذا الكلام بالحديث عن مقام الشيخ؛ فيقول: لقد طالعت كثيرًا من مقامات الأولياء الأكابر، وتعرفت أحوالهم، ووازنتهم بمقام سيدي محمد وما أكرمه الله به؛ فوجدته جامعًا لذلك كله بل يزيد عليهم .وفاته: قال المؤلف: كانت المصيبة بوفاته على ما قرأته بخط سيدي إبراهيم صبيحة يوم السبت الثاني من شهر ربيع الثاني من سنة 843هـ(12/09/1439م)؛ فكانت مدة عمره على ما فهمته من كلامه في منظوماته اثنين وتسعين سنة . خاتمة: هذه بإيجاز المحطات البارزة في حياة الشيخ محمد بن عمر الهواري التي تعرّض لها ابن صعد التلمساني في كتابه، والتي سلطت الضوء من خلال مؤلفاته، أو من خلال تلميذه الشيخ إبراهيم التازي على كثير من جوانب حياته.لقد تطرق المؤلف إلى أبرز الجوانب المتعلقة بشخصية الشيخ محمد بن عمر الهواري، وأمدنا بكثير من المعلومات التي تزيل كثير من الفجوات المتعلقة بشخصية الرجل، والتي أغفلت ذكرها المصادر الأخرى التي تعرضت لحياته، ومع ذلك فإن المؤلف قد أغفل معلومات أخرى مثل رحلته إلى دمشق، وجلوسه في المسجد الأموي للتعلم وللتدريس.يعدّ الشيخ محمد بن عمر الهواري علما بارزًا من أعلام مدينة وهران بصفة خاصة، والجزائر بصفة عامة، وكان مصباحًا وهّاجًا أنار سماء مدينة وهران طيلة مقامه بها، ونوّر أذهان وقلوب أبنائها بما أسداه لهم من مختلف العلوم التي حصل عليها وأتقنها، وبما أسداه لهم من نصح ووعظ وجّه من خلاله سلوكهم في الحياة بغية الإسهام في تكوين جيل يكون خير خلف لخير سلف.

ملاحظة : هذا المخطوط وهو السهو والتنبيه موجود في مؤسسة الملك عبد العزيز الدار البيضاء.


dimanche 28 janvier 2018

أبو الحسن علي بن عبد الرحمان بن محمد بن والي الدزيري ثم الوهراني




أبو الحسن علي بن عبد الرحمان بن محمد بن والي الدزيري ثم الوهراني
1835-1906
أولا : الشخصية
هو العلامة المقدم الجليل الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الرحمان بن محمد بن والي الجزائري وجارا، الوهراني دارا، العباسي نجارا ( طريقة) الشهير بلقب "شويوش" تصغير شاويش( ). ولد في الجزائر العاصمة بتاريخ التاسع محرم سنة 1251 هجرية الموافق ل السادس ماي 1835 كما هو عندنا في سجل التشريفات – مخطوط-
ثانيا: حياته العلمية :
شيوخه وأساتذته:
أخذ الشيخ علي بن عبد الرحمان عن عدة شيوخ، ومن أبرزهــم
1-العلامة أبو الحسن مصطفى بن أحمد المعروف بابن الأمين الحرار، نسبة لخدمة الحرير، كانت وفاته سنة 1273هـ.(2)
وقد أجازه بثبته نظرا لملازمته له ملازمة تامة حتى وفاته.
2-العلامة المتفنن والفقيه المحدث، والكاتب البليغ، والمدرس المحقق القاضي الشيخ حميدة بن محمد العمالي نسبة إلى ناحية مرتفعات جبل عمال قرب الجزائر العاصمة، له ترجمة حافلة في رحلة المشرفي "ذخيرة الأواخر والأوائل " توفي سنة 1290هـ الموافق لــ1873م3
له كناش في إجازته العملية، توجد نسخة منه في زاوية البوعبدلي ببطيوة.
3-ومن شيوخه في العلوم العقلية و النقلية محدث الجزائر، ومسندها وشيخ الجماعة ومفتي المالكية بها أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن حفاف الذي تلقى علومه عن أبيه، وعن الشيخ العربي بن حسن فرصادوا، وعلامة القطر الإفريقي الشيخ إبراهيم الرياحي، وأجازه الإمام محمد صالح بن خير الله الرضوي البخاري عندما حل بالجزائر سنة 1261هـ، وهي عندي بخط تلميذه القاضي شعيب التلمساني أجاز هو بدوره محمد بن سليمان الندرومي بتاريخ 20 صفر 1331هـ.
كانت وفات الإمام ابن الحفاف عام 1307هـ.
4- ومن شيوخه في الطريقة المحمدية العارف الذي جرت ينابيع المعارف من صدره ، البحر المتلاطمة أمواج علمه وسره ، الولي الشهير ، والقدوة الكبير ، العارف بالله ، والدال عليه في سره ونجواه أبو المكارم الشيخ محمد العربي بن السائح الشرقي العمري نسبة ، التجاني مشربا ، كان من العلماء العاملين ، والأولياء الكاملين والعارفين الواصلين ، والهادين المهتدين ، والراشدين المرشدين ، وهو أحد خلفاء الشيخ سي أحمد بن محمد بن المختار بن سالم التجاني المتوفى عـام 1230هـ.
5- تلاميذه :
نظرا لتمكن الشيخ من العلوم والمعارف، فقد أخذ عنه صفوة من الأمة منهم :
1- عبد الحليم بن علي بن عبد الرحمن المعروف بابن سماية المولود سنة 1866 م، وأخذ عنه جملة من العلوم والمعارف، وقد أجازه الشيخ علي بن عبد الرحمن نظرا لتحصيل، وخاصة في الصحيح البخاري .
2- الشيخ الحاج بلقاسم ابن الطيب عبد القادر المدعو أبو كابوا، والذي اسمه يتردد على أسماعنا لإرتباطه ببيت الله ويعرف "بجامع بن كابوا" في المدينة الجديدة، أخذ معظم علومه ومعارفه عن الشيخ علي بن عبد الرحمن، وكان يثني عليه ثناء جميلا لنه لم يعرف حقيقة العلم إلا بمجالسته، توفي الشيخ ابن كابوا سنة 1953م وكانت ولادته سنة 1279هـ.
قال الشيخ أبو القاسم ابن كايوا عندما تحدث عن شيوخه:« …فاجتمعنا مع لي الله العلامة السيد علي بن عبد الرحمن أخذت عليه لغة القطب التجاني رضي الله عنه وأخذت جميع ما أخذه عن أشياخه وسمعه عنهم .»
3- الشيخ الجليل الحاج عبد القادر بن مصطفى ابن عودة محمد بن قارة الشريف الحسني من جهة جدته لأبيه، الملود بتاريخ 1862 بمستغانم، وقد أخذ عن الشيخ علي بن عبد الرحمن من العلوم والمعارف خاصة عندما كان يتردد مترجما على مدينة مستغانم لوجود كثير من أصفائه وأحبابه هناك، وقد عين الشيخ بن قارة المستغانمي إماما ومدرسا في الجامع الأعظم بمستغانم بعد وفاة الشيخ محمد بن عمر المدرس الرسمي، وكان سنه 25 سنة رحمه الله رحمة واسعة .
4- ومن علماء المغرب الذين أخذوا عن الشيخ أبو عبد الله محمد سكيرج أخ العلامة القاضي سيدي أحمد بن الحاج العياشي سكيرج صاحب الرحلة الحبيبية الوهرانية وكان لا يذكر شبخه إلا بالصفات والأخلاق الحميدة .
قال: وأروي الكتب الستة الصحاح عن مجيزنا عالم الديار الوهرانية في وقته، الطائر الصيت، شيخ الفتوى بها أبي زيد عبد الرحمان الجزائري ، الذي أخذت عنه رحمه الله وأفادني سنة 1320 هـ تحقيقات في موضوعات من علوم شتى أصولية وفروعية، ورقاني جزاه الله خيرا عني إلى فهم أذواق واصطلاحات يستعملها سادات الناس الصوفية رضوان الله عليهم.
ثم أجازني إجازة عامة فيما لديه من المعارف والعلوم، المنطوق منها والمفهوم، بعد اختباره لي عدة أسابيع، كنت أتردد عليه يوميا فيها بمحله من المسجد الأعظم بحاضرة وهران من العام السابق 1320 هـ.
وإذ ذاك أجازني بسنده العجيب في الكتب الستة المشار لها البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة كما أجازه به هو شيخاه العارفان سيدي مصطفى الشهير بالحرار وسيدي علي الشهير بالحفاف ، كلاهما من أهل المزارات بالجزائر مسقط رأسيهما، وهما عن الشيخ الصالح سيدي الحاج محمد صالح الرضوي ’ وهو عن العارف بالله الشيخ سيدي عبد الكريم المكي، وهو عن الصحابي الجليل السيد شمهروش الجني عن مؤلفها مباشرة.
5- ومن علماء تونس الفقيه الأديب المسند الرحالة أبو عبد الله محمد الخليفة المدني، أصله من تونس والمعروف بالمسعودي، روى عن الشيخ علي بن عبد الرحمن ثبته، وكان جامعا للكتب والدواوين بالشراء والاستنساخ فحصل على عدة صناديق ضاعت وتفرقت بموته في مكناس المغرب الأقصى غريبا عن وطنه الأصلي سنة 1313 .
6- ومن الآخذين عنه من علماء المغرب العلامة الصوفي الحاج أبو حفص عمر ابن الطالب بن سودة أجازه الشيخ علي إجازة عامة .
7- وممن أخذ عنه الشيخ الفقيه المشارك أبو القاسم محمد الحفناوي صاحب تعريف الخلف برجال السلف المتوفى سنة 1941 م، وقد نوه بمقام الشيخ علي عبد الرحمن في تعريفـه بما نصه:« وهو من أصحاب الفتوحات المكية وجواهر المعاني خضرنا مجلسه مرارا فسمعنا منه ما رق وراق، مما خلت منه الأوراق واشتقاه الأذواق والفضل في ذلك كله للنحب المحبوب سيدي علي بن حداد، متعه الله بطيب الحياة وطولها وقر عينها بولده العزيز» .
8- و من آخذين عنه أيضاالقاضي أبو بكر شعيب بن علي الجليلي، أصله من قرية سبع شيوخ الواقعة قرب الفحول من ناحية تلمسان، أجازه سيدي عبد الرحمن في الطريقة وخاصة صلاة الفاتح، وأشار إلى ذلك القاضي شعيب في إجازته لمحمد النابلسي، ويشير له في إجازاته لتلاميذه بالوهــراني، نظـرا لاستقراره بها .
6 ــ كيفية دخـوله للطريقة التجانية : من المقرر والمعلوم عند أهل الطريقة التجانية أن سيدي عبد الرحمن الجزايري هو أول ناشر لهذه الطريقة المحمدية في مدينة وهران ، ومازالت الألسن تثني عليه خيرا إلي يومنا هذا ، وسنده في الطريقة قد بلغ حتى الجنوب الغربي من القطر الجزايري ، وربما وصل حتى المغرب الأقصى وهذا لا وخاصة أن أتباع هذه الطريقة منتشرون بكثرة في هذا البلد العزيز علي قلوبنا ، وسبب دخول الشيخ إلى هذه الطريقة والتمسك بعراها أن الشريف مـولاي عبد السـلام المغربي عندما حل بوهران جاء مبعوثا من قبل سيدي ابن سايح قصـدا لنشر تعاليم الطريقة التجانية، دخل المسجد الباشا للصلاة مصحوبا بكتاب بغية المستفيد في شرح منية المريد للشيخ العربي بن سايح ،ثم ترك الكتاب عند الإمام المفتي الذي ذاعت شهرته ، وخرج بنية قضـاء حاجة له ، وعندما طال غيابه ، سأل سيدي عبد الرحمن عن هذا الطالب المغربي فلم يجده ، فما كان من أمره إلا أن أدخل كتاب البغية إلى مقصورته وطالعه من أوله إلي آخره ، فوجد أن البغية هو شرح لأرجوزة منية المريد من نظم التجاني إسما بن بابا بن أحمد بيبا العلوي الشنقيطي ؛ والتي تتضمن التعريف بالشيخ أبي العباس التجاني وطريقته وأصحابه، وأن بعضهم من العلماء العارفين ، ومن خلال المتن والشرح تعرف علي حقيقة الشيخ التجاني وأحواله ، فتعلقت نفسه بهذه الطريقة ، وبعد مرور 24 ساعة قدم المغربي ، وبعد أن تعرف عليه سيدي عبد الرحمن الجزايري سأله عن كيفية الدخول في هذه الطريقة ، فماكان من الشريف المغربي بعد تيقنه من إصرار الشيخ علي التمسك بهذه الطريقة المحمدية إلا أن يبلغه بأنه مجاز فيها, و في أورادها من قبل الشيخ ابن السايح ، وأنه مطلع علي أسرارها، ملم بكلياتها وجزئياتها ، فأخذها عنه أولا ثم بعد اتصاله بالشيخ ابن سايح أخذها عنه ، وكذلك عن تلميذه الشيخ الميلود الماضوي
ثالثا : رحلته لغير العلم :
1- قدومه إلى مدينة وهران :
نظرا لما اشتهر به من شيوخه وأقرانه من التضلع في علوم الشريعة كالحديث والفقه، والاضطلاع الواسع، وتمسكه بالطريقة المحمدية وخاصة الفتوحات المكية وجوار المعاني، وما عرف به من التبحر في فنون الأدب كالعروض والقوافي والبلاغة وحسن السيرة مع الاستقامة، وعلو الهمة أسند إليه منصب الإفتاء بوهران،وذلك بعد وفاة الفقيه المفتي الحاج احميدة بن قايد عمرسنة 1870 م ، وقد إنتقل إليها مع أسرته ووالدته التي توفيت بمدينة وهران بالروضة.
ولما حل بمدينة وهران ، سمي مفتيا بالجامع الكبير أو مسجد الباشا ، والذي تسمية العامة عندنا بمسجد التـرك ، وقد أسسه الباي محمد بن عثمـان الكبير سنة 1796 بأمر من باشا الجزائر الداي بابا حسن ، تخليدا لفتح وهران الأكبر ، وذلك بجوار القصر الأحمر ، وعلى الرغم من أن هذا المسجد كانت له أوقاف كثيرة كالمتاجر والحمامات التى حوله إلا أن الاستعمار الفرنسي استحوذ عليها كما استحوذ على جــل أوقاف المساجد الأخرى في ربوع الوطــن ، ولهذا نجد أن الأئمة والمفتين كانوا يشتكون من الحالة التي آلت إليها المساجد ، وهذا ما نجده صراحة في مراجع الفرنسيين أنفسهم ، ومن ذلك ما ذكره الرحالة الفرنسي Abbe barges في مؤلفه القيم tlemcen , ancienne capital du royaume de ce non (6) ،ولما استقر المقام بسيدي عبد الرحمن الجزايري ، سعى جاهدا لإرجاع المسجد كما كان عليه في سالف عهده ، فــأتحف جامعها الأعظم جامع الترك غاية الإتحاف ورونقه بالفرش المختلفة الألوان والأنواع ، وأغناه حتى صار لا يسأل الإلحاف وطهره من الأدناس، وسائر المناكب، بعد أن وقع في زوايا الإهمال ونسجت بجميعه العناكب، فعاد بفضل الله مبتسما ضاحكا وأضاء منه ما كان ديجورا حالكا، وعلا بمنارته جهير الصوت بالأذان ونادى بقوله:« هلموا للطاعة والعبادة في الأوقات الخمسة والجمعة والعيدين يا أهل الإيمان فلله درة من ماهر ومربي سني باهر» .
رابعا : الشهادات والإجازات :
أخذ عنه كثيرون منهم الشيخ القاضي شعيب وأجازه وممن أخذوا عن هذا الشيخ أعني بن سماية، فقيه الجزائر ومؤرخها الشيخ عبد الرحمن الجيلالي شفاه الله تعالى وأبقاه لأمته دخرا.
قال الشيخ عبد الرحمن الجيلالي عنه : وإني لمعتز وفخور بما أتحفني بل وشرفني به من تفضله علي بكتابة إجازة بخطة أجازني فيها بما أجازه به والده وجمع من مشائخه في رواية صحيح الإمام البخاري متصلة السند المسلسل بشيوخ العلم والحديث على الطريقة السلفية …إلخ. وفي ذكره لأحد مجيزيه قال : …وألحقته بسند المتصل بالإمام البخاري كما رويته عن شيخ سيدي عبد الحليم بن علي بن سماية وهو عن شيخه العلامة السيد علي بن عبد الرحمن مفتي وهران عن شيخه الشيخ مصطفى الحرار عن شيخه مولانا محمد صالح بن خير الله الرضوي البخاري عن سيدي عمر بن عبد الكريم المكوي قدس سره عن محمد بن سنة الأزهري المعمر الشيخ أحمد بن عجيل اليمني عن مفتي بلد الله الحرام قطب الدين محمد أبي أحمد النهرواني عن أبي الفتوح نور الدين محمد بن عبد الله الطاوسي عن المعمر باب يوسف الهروي عن المعمر محمد بن شاذ بخت الفرغاني عن أحد الأبدال بسمرقند أبي لقمان يحي بن عمار الختلاني عن محمد بن يوسف الفربري عن الإمام أبي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري رحمهم الله ورضي عنهم ونفعنا بعلومهم وبركاتهم …نقتله من خط الشيخ عبد الرحمن الجيلالي .
وهذا القبيل أيضا إجازة تقديرية من الشيخ ابن كابو إلي السيد عبد العزيز بن السيد البشير مبينا له فيها اتصال ســند ه بالقطب سيدي علي بن عبد الرحمن، ونص إجازة: « بسم الله الرحمن الرحيم ـــــــ اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم ـــــــــــــــــــــــــ قاله وكتبـــه بلقا سم بن الطيب عــرف بابن كابو – عفا الله عنه ـــ.
الحمد لله، وما بكم من نعمة فمن الله، والصلاة والسلام علي رسول الله واله وصحبه وكل من والاه، بفضل الله تعالى أروى جميع ما احتوي عليه د يــــوان قطف الثمــر من صحيح الأسانيد، والأ ثــر من صحيح الحديث، ودواوينه العشرة، ومسانيده، ومعاجمه المعتبرة، وأصــول الدين، وفروعه الفقهية، وما تضمنه من العلوم العقلية والنقلية، أروي ذلك كله بإجازة الأستاذ البركة سيدي علي بن عبد الرحمن الجزايري؛ مفتي حـاضرة وهــران وقته ــ قدس الله روحه وزوده رضــوانه ورحمته كما يروي ذلك كله ــ رحمه الله ــ عن شيخيه الشيخ سيدي الحاج علي بن حفاف الجزايري مفتى بلدة البليدة، وثانيهما الشيخ سيدي مصطفى بن سيدي الحاج أحمد الحــرار ــرضي الله عنهما، و أدام نفعهما وبركتهما ـــ ويرويان كلاهما عن الشيخ سيدي محمد صـالح الرضـاوي البخاري ــ رضي الله عنه ـــ، و هو عن سيدي عـمـار بن عبد الكريم المكي، وعن بقية الأ سـاتذة المنصوص عليهم في ذلك الديوان، أروي ذلك كله منه مشافهة، وفي بعضــه بخـط يده المباركة، وإني أسعفت الفاضل الأجل، الدراكة الأ مثـل السيد عبد العزيز بن السيد البشير قـوقـو مسقط رأسـه كما هو بخط يده، أن يروي عني ذلك كله، وأجزته بعد طلب الخيرة من الله تعالى ورسوله ــ صلى الله عليه و سلم ــ بما أجازني به ذلك الأستـاذ قدس الله روحه، وأناله من جنـــان فسيحه انه ولي ذلك و القادر عليه، واني أبريء إلى الله تعالى من أكون ممن يتولى ذلك المنصب، واسأله العـفـو، والصفـح في الحال و المنقلب.
كتبه عبد ربه وأحقر عبد معترف بذنبه ونحن بحاضرة بيت الله، و الحمد لله أوله وءاخره، وصلى الله على سيدنا محمد و ءاله وصحبه وسلم ءامين 7/12/1356 .
3- تأثره وتأثيره
أثنى عليه كثير من الشيوخ منهم :
1-الفقيه المـؤرخ الآغا بن عودة المـازري في سعـوده: ومنهم بوقتنا الذي هو عام السابع من القرن الرابع عشر أستاذ الإخوان، و الياقوت البرهان، فائق البراعة وجزيل الفصاحة و البراعة مفتيها وخيبها ذو الإنصاف و الإحسان أبو الحسن السيد علي بن عبد الرحمن …..الخ.ما جاء في كلامه .
2- وقال عنه تلميذه الشيخ سيدي الحاج بلقا سم بن الطيب، المعروف بابن كابو في قصيدته الرائيـة جميلة
أضاءت نجوم السعد إذ ساعد الدهر وسار إلينا من سنــاه هو البـدر
وأثمر غرس ما تمنت قلوبنــــا وضاء به كل إرجائنــا العطــر
فلله مـا غنت بلابـــل انسنــا على روض أفراح مراتعه خضـر
ولله ما زفت إلينـا بشـــائـــر كريح الصبا أذبل أرادينـه القطـر
قد متم فجاء اليمن والعلم والتقـــى ونهـر من الآداب حصبــاؤه در
فزرتم فزار الأنس والصفو والهنــا وثغــر الزمان بالمسـرة يفتــر
لقد أقبلت أنفـاس زهو ربيعــــه إذ أنتم ربيع زانـه النـور والـنّور
فعلمكــم مزن ولطفكــم صبــا وعقلكـم شمــس وآدابكم زهــر
إلى أن قال :
وحلية هذا العصر والشرف الــذي لأوطاننا عما عداها لنـا فــخــر
فأهلا وسهلا بالسرى ومرحبــــا ولله إذ شرفتنا الحمــد والشكـــر
وأكرم بما قد صـادق البخـت أنـه لدينا الذي في فضله يحمد الذكـــر
أخو العلم والآداب والزهد والثقــى ومن فاح من أخلاقه المسـك والعنبر
ومن هو في أفق الوجــود كغــرة ومن ضمه في العلم صدره والنحـر
تقول له العليـــاء يا عمر ارتفـع فآفاقنـا منكــم كواكبهــا زهـر
8)مؤلفاته :
للشيخ عدة مؤلفات وفد كان الشيخ بلقاسم قائما عليها بعد وفاته ، البعض من هذه المؤلفات يوجد في خزائن تلاميذه او تلاميذ تلاميذه ، ونظرا للخصوصية لم اذكرهم ، ومن هذه المؤلفات .
1-لقـطـة المبـتـدى: وهو كتاب في علم العروض ، ونظرا لقيمته الأدبية اتخذته جامعة القرويين من ضمن الكتب المقررة ، وقد صرح بهذا الفقيه محمد بن أحمد الحرشوي الندرومي ت 1313هـ/ 1896م في مؤلفه تحفة الأكياس في أجوبة عن كيفية التدريس بفاس ، وأدرج – بالضم - هذا المؤلف- بفتح الهمزة- في مؤلف للسيد G.DELPHIN تحت عنوان:
FAS; SON UNIVERSITE ET L'ENSEIGNEMENT SUPERIEUR ، وبحوزتي نسخة جـيدة من هذا الكتاب في قرص مضغوط ، بعناوين ملونة (الأحمر – الأزرق – الأصفر) كانت من أملاك الحاج بلقا سم بن كابو بوهران، ثم آلت لتلميذه الشيخ بخالد بن كابوبسيدى بلعباس ، استهلها الشيخ سيدي علي بن عبد الرحمن بعد البسملة والتصلية بقوله: « ميزان الشعر ــ الشعر لغة هو العلم والفهم ، يقال شعرت بكذا أي تفطنت له ، وعلمته ثم خص الشعر بجنس الموزون من الكلام ......»، ونهاية المؤلف بقوله: « ..واعتمدت فيما جمعته على سعود المطالع، وشارحي الخزرجية كالشريفي الغرناطي، والزم وري، والحسني، والدماميني، ومشكاة الأنوار، والختام المفضـوض، والله الموفق للصـواب، وإليه المرجع والمآب، وبعد التمام سميته لقطة المبتدى.
2-ثبت: وهو عبارة عن فهرس لشيوخه ومرويا ته، وأغلبها عن الشيخ الحرار العاصمي، توجد نسخة منه عند أستاذنا الشيخ الفقيه المحد ث الدكتور طالب عبد الرحمن – عضو المجلس الإسلامي الأعلى -، وقد أجازني بسنده – في الفقه المالكي خاصة – عن شيخه بخالد بن كابو عن شيخه الحاج بلقا سم بن كابو الوهراني عن العلامة علي بن عبد الرحمن العاصمي ثم الوهراني بسنده .
3-كناش: فهو يشتمل على الأحداث التي شاهدها صاحب الكناشة وأشعاره ومساجلاته الأدبية وفوائده ، ويسميها بعضهم الزمام والبطاقات. وهي أوراق كالدفتر تقيد فيها الفوائد والشوارد للضبط (»تاج العروس«، ج 4، ص. 347، مكتبة الحياة، بيروت. وهو أشبه أيضا بما عرف بالمشرق من تذكرات
3- مراسلات : وقعت له عدة مراسلات مع شيوخ طبقته ، كمراسلة مع الآغا بن عودة المزاري صاحب سعد السعود ، ومنها مراسلات مع بعض تلاميذه كالشيخ ابن قارة مفتي مستغانم، ومنها مراسلات مع بعض أحبابه من شيوخ الطريقة الأحمدية كالشيخ عبد اللاوي، وقذ اخترت هذه المراسلة الأخيرة لسببين:
1) -- لبيان أسلوبه في المراسلات و خاصة في مذي استخذامه للألفاظ المستعملة عنذ المتصوفة.
2)—لكونها آخر رسالة يبعثها للشيخ أحمد العبدلاوي قبل وفاته بشهرين، وقد ذكرها أحمد سكريرج في مؤلفه كشف الحجاب، ومما ذكره هذا المؤلف قوله : « ولنذكر هنا طرف رسالة بعثها المقدم الأمثل العلامة الأجل أبوالحسن سيدي علي بن عبد الرحمن مفتي وهـران المتوفى قريبا في رمضان عام 1324 وكأنها منه رحمه الله وداع لصاحب الترجمة نص المقصود منها : والدنا الروحاني، و طبـيبنــا النفساني، ولي نعمتنــا و ملا ذي وعمدتي قدوتي حامل لواء الطريقة المحمدية ومظهر أسرارالتجانية العارف بالله من الله سيدنا ومولانا أحمد العبدلاوي أبقى الله وجودك وأشرق في سماء العرفان شموسك أياشريكي في الصورة الإنسانية ، وإن كناواحدا من حيث الحقيقة المحمدية ، نورك الكل ، والورى أجزاء ؛ ويا نظرة العارف بالله سيدي الحاج علي التماسيني قدس الله سره ، ويا خزانة أسرار سيدنا محمد الحبيب نجل سيدنا الشيخ ــ رضي الله تعالى عنه – أ شهد بالله أني ما سمعت ولا علمت بعد انتقال سيدي العربي بن سائح ــ رضي الله عنه ــ ، ولا رأيت من يقوم مقامك في هذه الطريقة الأحمدية ، ولا من يعرف شروطها الصحية والكمالية ، ولا آدابها ولا أسرارها ولا أحوال سيدنا ــ رضي الله عنه ــ و أولاده مثلك سيما ركتها الأعظم ، وهو رفع الهمة عن الخلق،وعدم الإلتفات إلى ما في أيديهم أبقاك الله علما ومـدادا ، ومركزا لهذه العصبة المحمدية الإبراهيمية الحنيـفية وبارك لك في عمرك إلى أن يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده وجعلك من ورثة المقام المحمدي عين الرحمة الربانية التي وسعت كل شـيء إلى أن قال فهنيئا لك فيا خيبة من جهلك ، وبعدا لمن عاداك ، وياحسرة من لم يعرف قدرك ، ويا غبن من لم يفز بموالاتك ومحبتك ﴿ وكأين من آية في السموات و الأرض يمـرون عليها وهم عنها معرضون ) الله الله في دعائك الصالح لصالح أحوالي وتسديد أقـوالي وفتح بصيرتي وفك قيودي وخلاصــي من ربقة الغير والغيرية ، حتى نرى الحق بالحق من الحق للحق ، ســلام الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد... الخ بتاريخ رجب سنة 1324»
9) وفاته:
توفي الشيخ قي 24 رمضان 1324 الموافق لـ 11 نوفمبر 1906م ،ودفن في الروضة التي تسمى اليوم مقبرة إبن داود الواقعة في الجانب الأيسر للزاوية الطيبية الوزانية حيث يوجد ضريح سيدي الحسني، وكان ضريح سيدي عبد الرحمن الجزايري قرب ضريح والدته ولكن للأسف أزيل شاهدها، وما زال إلى يومنا هذا بعض تلاميذ تلاميذه يزورونه، وقد حضر في جنازته كثير من الخلق نظرا لصلاحه وتقواه وأعماله لفائدة مدينة وهران.
----------------------------------------------------
1-مصادر الترجمة: عند الأستاذ بليل حسني، والترجمة الموجودة في موسوعة أعلام الجزائر 1830 -1954 للأستاذ بليل حسني.
2- وثيقة قضائية عدلية تبين عقد إزدياد لسيدي علي بن عبد الرحمان. سنة 1835م ، ووثيقة التشريفات تزيد ذلك وضوحا، وهي بحوزتنا.
بالمحكمة الشرعية بمدينة وهران أمام القاضي بها الواضع خاتمه وخط يده في هذا الرسم حضر شهيديه ، شهد المحترم السيد محمد ولد حاج مختار بن داوود آغا سنه 90 سنة والسيد أحمد الملقب نكروف ولد محمد بن الملياني إمام الجامع الأعظم بوهران سنه 74 سنة و محمد بن وارد عالم الحرفة سنه 77 سنة و السيد محمد بلحاج عبد القادر بن محمد إمام الجامع المذكور سنه 78 سنة الوهرانيون أصلا ومسكنا بعد الطلب بمعرفتهم السيد علي بن عبد الرحمان مفتي حاضرة وهران الجزائري الأصل والمنشأ أتم معرفة وأكملها بها ومعها يشهدون أنه إزداد لأبيه السيد عبد الرحمان بحاضرة الجزائر من زوجه السيدة عائشة بنت السيد محمد في سنة 1835مسيحية وبحسب ذلك فإن سنه الآن 57 سنة شهادة تامة واقعة بتاريخ فاتح كتبر (أكتوبر ) سنة 1892 مطابقا عاشر ربيع الأنوار عام 1315 وأجرته أربعة فرنك عبيد ربه حكيم موفق بن محمد بن أحمد وفقه الله وأمنه وعبيد ربه المختار بن عاشور وفقه الله بمنه آمين.(الإمضاء).

القاضي محمد بن يوسف الزياني


القاضي محمد بن يوسف الزياني
صاحب كتاب دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران


هو محمد بن يوسف الزياني البرجي ثم الوهراني من مواليد الثلث الأول من القرن التاسع عشر الميلادي ببلدة برج عياش المعروفة ببرج ولد المخفي، اليوم الواقعة قرب معسكر حيث موطن الأسرة، وهي من الأسر العلمية والسياسية التي كانت تتولى الوظائف في العهد العثماني، ومنها عمه أحمد بن يوسف الزياني الذي كان من العلماء المستشارين عند إبراهيم الملياني باي الإيالة الغربية(1756م-1771م/1170هـ-1185هـ).
وعن مكانة عمه يذكر صاحب الترجمة في كتابه دليل الحيران أن الباي إبراهيم كان شديد المحبة للعلماء يشتري لهم الجواري الحسان، وقد جعلهم طبقات بحسب تفاوتهم في العلم، وكان يكثر من مجالستهم والمذاكرة معهم ويبالغ في قضاء حوائجهم، وقد أخبره أحد هؤلاء العلماء وهو السيد أحمد الدبي قائلا: إن الباي لما اشترى لعمك أحمد بن يوسف الجارية ووقفت عندي النوبة لأن رتبتي بعد رتبته في العلم، اعتذرت للباي عن عدم قبولي الجارية تجنبا لغيرة زوجتي.
درس الزياني كغيره من شباب عصره على علماء الوقت في مدينة معسكر وغيرها من حواضر الغرب الجزائري، وقد يكون من الذين درسوا في المدارس الشرعية الفرنسية الثلاث خصوصا مدرسة تلمسان التي تأسست سنة 1850م، لأننا لا نملك المعلومات الكفيلة بتحديد أسماء الشيوخ الذين تتلمذ لهم الزياني سيما وأنه هو نفسه قد أهمل ذكر حياته في كتابه دليل الحيران، وعلى العموم فهو من المثقفين ثقافة مخضرمة.
وبعد إنهاء فترة الدراسة تولّى الزياني عدة وظائف قضائية للفرنسيين، فقد تولى قضاء مدينة البرج ابتداء من سنة 1861م، وهذا ما تؤكده الوثيقة الرسمية التي كاتبه بها الحاكم العسكري الفرنسي للناحية، وفي سنة 1883م انتقل إلى قضاء وادي تليلات ومنها إلى قضاء مدينة سيق، فيكون بذلك الزياني قد استمر مدة طويلة في هذا الوظيف الذي حدد علاقته مع الفرنسيين لأن منصب القضاء كان منصبا سياسيا عندهم، وإنه قد عايش الحملة التي انطلقت ضد القضاء الإسلامي لإدماجه في القضاء الفرنسي سيما عقد الثمانينات.
هذا ولم يكن الزياني معزولا ولا مغمورا، بل كان على علاقة مع علماء عصره مثل الشيخ علي بن عبد الرحمن الجزائري مفتي وهران الذي كاتبه سنة 1320هـ/1902م قائلا في مستهل الكتاب:« محبنا الفقيه العلامة مولانا السيد ابن يوسف...». كما اطلع الشيخ المهدي البوعبدلي على الكثير من فتاوى الزياني وبعض التعاليق على الكتب والمراسلات مع بعض علماء البلاد.
ولم تشغل وظيفة القضاء الزياني عن التأليف والإنتاج الثقافي، فقد كان من المساهمين في ميدان التاريخ من خلال كتابه الذي خص به مدينة وهران ووسمه بدليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران والذي قدم له وعلق عليه المهدي البوعبدلي ونشرته الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة 1978م. ولم يتقيد المؤلف بأخبار وهران كما يظهر من العنوان ولكنه تعرض أيضا لتاريخ الجزائر عموما في العهد العثماني، وشمل ذلك الحديث عن البايات وعن ثورة الطريقة الدرقاوية ضد بايات الغرب التي خصص لها حيزا بارزا.
وقد قسم الزياني كتابه إلى قسمين رئيسيين تناول في القسم الأول التعريف بمدينة وهران واشتقاق الكلمة وما قاله المؤرخون من قديم الزمان، وتاريخ تأسيسها ومؤسسيها وسبب تسميتها، وذكر علماءها وأولياءها من القديم خصوصا سيدي الهواري وتلميذه إبراهيم التازي، وقائمة من ملكها منذ تأسست إلى عهده. أما القسم الثاني فقد بدأه بعهد السلطان الزياني أبي حمو موسى الثاني، وتناول فيه النزاعات بين الزيانيين والمرينيين، واحتلال الإسبان لوهران، ثم العهد العثماني الذي توسع فيه عندما تحدث عن الأتراك وخلفائهم وعن الباشاوات الذين توارثوا الحكم بالجزائر، وعن النظام التركي في الجزائر أيضا، وحلل وظيفة الباي وذكر قائمة بايات الغرب الجزائري وثورة الطريقة الدرقاوية ضد بعضهم، وفي نهاية هذا القسم جعل فصلا بعنوان: الدولة التاسعة الفرانسيس ويقال لهم الفرنج والكلام عليهم في سبعة مواضع. ولكن المؤلف اكتفى بهذا العنوان ولم يتعرض له بل توقف عن الكتابة خشية العواقب إذ أنه لم يرد أن يتورط في إبداء رأيه في الاحتلال والنظام الاستعماري سيما وأنه يشغل منصب القاضي لدى الفرنسيين.
هذا وقد انتقد المهدي البوعبدلي كتاب دليل الحيران من عدة وجوه، منها الاعتماد على النقل الكثير، وعدم إبداء الرأي فيما ينقل مما جعله أحيانا ينقل الأخطاء كما هي، ولم يكن يخضع لقواعد العربية ويتخذ أسلوب السجع. ومن مزاياه حسب البوعبدلي فإنه جمع في كتابه ما كان متفرقا، وما أصبح مفقودا مثل درء الشقاوة لأبي راس، ودرّ الأعيان لحسين خوجة، ومن مزاياه أيضا تعرضه لأحداث المغرب الأقصى.
وهناك كتاب آخر أثار كثيرا من الجدل وهو أقوال التأسيس فيما سيقع بالمسلمين من دولة الفرنسيس، وفي بعض النصوص أقوال التأسيس عمّا وقع وسيقع من الفرنسيس، والذي وضعه مؤلف مجهول، ولكن المهدي البوعبدلي رجح نسبة هذا الكتاب إلى الزياني لبعض الاعتبارات وهي أن الزياني قد جعل آخر عنوان في كتابه دليل الحيران عن الدولة التاسعة وهم الفرنسيون كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ولكنه اكتفى بالعنوان دون مواصلة العمل تجنبا للخوض في مواضيع سياسية عن الاحتلال والمقاومة. وهي المواضيع التي طرقها في أقوال التأسيس ولكنه سلك في ذلك عدة وجوه تبرئة لنفسه من أي تهمة مباشرة من طرف الفرنسيين، ومن ذلك أنه جعل الكتاب في شكل تنبؤات وتكهنات وليس في شكل وقائع تاريخية، وأنه لم ينسبه إلى نفسه ولكنه نسبه إلى عالم وحافظ ومؤرخ وهو أبو راس الناصر الذي كتب عن أحداث التاريخ، وسجل الكتاب في قائمة مؤلفات أبي راس الناصر، رغم أن الأخير قد ترجم لنفسه وذكر مؤلفاته دون أن يذكر من بينها كتاب أقوال التأسيس وهو متوفى قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر.
وقد شاع كتاب أقوال التأسيس في أوساط المتعلمين في أواخر القرن التاسع عشر وتناقلته الأيدي، فثارت ثائرة الفرنسيين حين علموا بذلك خشية ما قد تقود إليه أفكار الكتاب من ثورات، سيما وأن المستشرقين والضباط الفرنسيين كانوا يحذرون دوما من استعمال الجزائري لمثل هذه التنبؤات والألغاز والرموز. فأخذت الإدارة الفرنسية تبحث عن الكتاب وتتلف نسخه وتتتبعه في المكتبات الخاصة، بل إنها أقدمت كما يقول الشيخ البوعبدلي على سجن الكثير من الطلبة الذين كانت تشك في أنهم يملكون نسخا منه.
أما عن وفاة الزياني فإنها كانت بعد سنة 1902م بقليل، وليس سنة 1891م كما ذهب إلى ذلك صاحب معجم أعلام الجزائر، شفيعنا في ذلك الكتاب الذي بعثه مفتي وهران علي بن عبد الرحمن إلى الزياني سنة
الحرب العالمية الثانية ذهبت إلى الحج واستبدلت لقب القايدة بالحاجة.
1902م. وقد أورث لأحد أبنائه الإمامة في مسجد حر بمدينة سيق بناه صهره، وقد ظل الابن الذي لا نعرف اسمه في الإمامة حتى توفي وكان من الفقهاء أيضا. كما ترك الزياني بنتا تعرف بالقايدة حليمة اشتهرت في مدينة وهران ونواحيها بتمردها على عوائد الحجاب، فكانت تخرج سافرة وتقوم بشؤون أسرتها الفلاحية وتشارك زوجها الذي كان ينتمي إلى أسرة متنفذة في العهدين التركي والفرنسي، في جميع الأمور من ركوب الخيل وحضور ألعاب الفروسية واستقبال الوفود الزائرة والمشاركة في الحفلات التي كان يقيمها الولاة العامّون بالجزائر لأعيان البلاد، ولكنها قبل وفاتها في أوائل 
- ملاحظة : للترجمة مصادرها.

معسكرات إعادة التجميع، أو كيف عملت فرنسا على تفكيك الأرياف الجزائرية

 حرب التحرير الجزائرية معسكرات إعادة التجميع، أو كيف عملت فرنسا على تفكيك الأرياف الجزائرية خلال حرب الاستقلال، قام الجيش الفرنسي بتجميع سكا...