jeudi 1 février 2018

الشيخ محمد بن عمر الهواري

الشيخ محمد بن عمر الهواري
المغراوي من خلال روضة النسرين:
للدكتور عبد القادر بوباية


نسبه ونشأته: هو محمد بن عمر بن عثمان سبع بن عياشة بن سيد الناس بن خير الغياري المغراوي المعروف بالهواري ، ويقول المؤلف إنه وجد نسبه بخط وارث مقامه المختص بأسراره وعلومه سيدي إبراهيم التازي ، وكانت نشأته نشأة حسنة، وأوصافه في صغره أوصافا مستحسنة، ما لعب قط مع الصبيان، ولا شغله اللهو الذي كان يشتغل به أترابه من الولدان .شيوخه: كان والد الشيخ الهواري من حملة القرآن، ومن أكابر قومه وأفاضلهم، معروفا بالكرم والإيثار، وعلو الهمة في أمور الدنيا والآخرة .كان شيخه علي بن عيسى من أهل المعرفة والحذق بقراءة القرآن، وعندما أخذ في تأديبه وتعليمه رأى عليه أثر الغفلة والفتور في أحواله؛ فشدّد عليه الزجر، وأمره بتعلم الحذق والفطنة، وربما ضربه على ذلك؛ وعندما بصر به والده قال له: يا فقيه لا تضربه ودعه على حاله؛ فإني أودعته لخالقه .

























رحلاته العلمية: بعد حفظه للقرآن الكريم وهو دون العشر من السنين، خرج محمد بن عمر الهواري من وطنه حيث رحل إلى كلميتو التي دخلها، ووجد بها شيخًا من أولياء الله في غار أو خلوة؛ فدعا له أن يكون من أهل الطريق .بعدما نال الشيخ الهواري من هذا الشيخ بغيته، خرج من وطنه مهاجرًا مقبلا على طلب العلم والعبادة؛ فطاف في البلاد شرقا وغربا، وتجول في الصحاري الخالية البعيدة عن العمران ، ولا يذكر المؤلف ما هي البلاد التي زارها أو الشيوخ الذين تتلمذ عليهم.


رحيل الشيخ الهواري إلى بجاية: كان مبدأ قراءة سيدي محمد بمدينة بجاية التي دخلها بعد صومه بسنة؛ فقرأ بها على أعلامها الجلة، ومنهم الإمامين الشيخ عبد الرحمن الوغليسي والشيخ أحمد بن إدريس ، وكلام الشيخ الهواري في منظوماته مليء بالثناء على أهل بجاية، وذكر محاسنهم في الإيثار والصدقات، واشتمالهم على الغرباء، وحبهم للفقراء، وقد صرّح بلقاء جماعة من العلماء الذين أجازوه في جميع العلوم، قال المؤلف: "فأقام بها مدة أعوام مواصلا الجدّ والاجتهاد في قراءة العلوم المنقول منها والمفهوم، واستظهر هناك حفظ كثير من الكتب قلّ أن يحفظها غيره" ، ولا يفصل المؤلف في هذه النقطة أيضا حيث لا يذكر من هم العلماء الذين تتلمذ عليهم، ولا المؤلفات التي نقلها عنهم، وأجازوه فيها.سفر الشيخ الهواري إلى فاس: درس محمد بن عمر الهواري المدونة البراذعية، وبلغ فيها إلى كتاب الصيد، ثم سافر من بجاية مغربا...فوصل إلى مدينة فاس؛ فدخلها فقيرًا لا يملك شيئا...بنية صادقة في طلب العلم ولقاء مشايخ الوقت...فأخذ بها عن الإمام الحافظ الشيخ موسى العبدوسي ، وعن زعيم الفقهاء والمتكلمين الشيخ أحمد القبّاب ؛ فأقام بمدينة فاس للقراءة عليهما جملة أعوام، معروفا عند أهلها بالعلم والديانة، وكان مشايخ الوقت يعظمونه ويخاطبونه على صغر سنه بالسيادة .وفيها أكمل حفظ المدونة، وهو حينئذ ابن خمس وعشرين، وذلك سنة 776هـ/ 1374-1375م، ولم يكتف الشيخ محمد بن عمر الهواري بالدراسة وطلب العلم فقط، بل كان طلبة فاس يقرأون عليه القرآن وكتب العربية والفقه، وفي هذه السنة نظم كتابه المسمى بـ"السهو في أحكام الطهارة والصلاة"، وسمّاها في بعض كلامه بالمؤانس .رحلته إلى المشرق: بعد رحيله من مدينة فاس، انتقل محمد بن عمر الهواري إلى "الحجاز لأداء فريضة الحج، ولقاء من هنالك من أكابر العلماء الأعلام...فدخل مصر"، ولم يذكر المؤلف دراسته بها عن العرّاف وغيره ، ثم أقام مجاورًا بالحرمين مكة والمدينة عدة أعوام، وكان سكناه في مكة المشرفة برباط الفتح، ثم سافر إلى بيت المقدس ، ولم يذكر المؤلف سفره إلى الشام وتجواله فيه، ومكوثه بدمشق بالجامع الأموي زمنا يدرس العلم ويعلمه لطلبة الشام. رجوعه لمدينة وهران واستقراره بها: بعد رجوعه من البلاد المشرقية نزل بمدينة وهران، وجلس لنشر العلم وبثه، والدعاء إلى الله تعالى؛ فانتفع الخلق على يديه، وظهرت عليهم بركته، وكانت مجالسه مجالس رحمة، وخواص أصحابه كلهم أولياء .منهجه في التدريس والوعظ: قال المؤلف: حدثني جماعة من الثقات أن سيدي محمد كان إذا جلس في مجلسه يتكلم على الخواطر، وينحشر الناس إليه فيكاشفهم بأحوالهم، ويطلعهم على خفي أسرارهم...وكانت القلوب تنفعل كثيرًا لكلامه، وترق لموعظته، وتتأثر لتذكيره .وكان إذا حضر مجلسه الأغنياء وأرباب الدنيا دعاهم إلى الله بطريق الخوف، وذكرهم بآيات الرجاء وحسن الظنّ بالله، وإذا حضره أهل الصحّة والعافية من التجار ذكرهم بطريق الشكر، وحظهم على إخراج الزكاة، وأنها مطهرة للمال، ثم يندبهم لترك المعاملة مع من غلب عليه الحرام، ويبصرهم بفائدة طلب الحلال .وكان مع ذلك لا يخلو مجلسه من مفاوضة علمية ومحاضرة أدبية ومذاكرة صوفية، قال المؤلف: حدثني جماعة من الأصحاب أنه كان ربما يعرض لطلبة العلم من أهل وهران وتلمسان وغيرهم من سائر البلدان كثير من المسائل العويصة؛ فيستفتون فيها شيوخ الوقت فلا يجدون عندهم شفاء غليلهم؛ فيقصدون مجلس الشيخ سيدي محمد، ويحضرون في جملة من حضر من الناس، وقد أضمروا تلك المسائل العويصة على اختلاف أفانينها؛ فإذا أخذ الشيخ على عادته في الكلام خرج إلى تلك المسائل، وأسرع الجواب عنها، وأوضح مشكلها مُعرَّفة في قالب الوعظ؛ فيقضي منه العجب، ويبهت الحاضرون لسرعة جوابه، وحشده من الأقوال على أكمل ترتيب، ويستغربون لطافة تخلصه من المسائل إلى ما هو بسبيله من الوعظ .زهـده في لباسه وطعامه وعلمه: كان بانيا على ترك الدنيا، والانقطاع إلى الدار الآخرة...وكان زاهدًا في مطعمه وملبسه...وصرّح في كثير من كلامه أنه ما شبع قط،...وكان أكثر أكله الخبز...وأما اللباس فذكر في كثير من منظوماته أنه ما كان عليه في تجوله سوى سترة وكساء من صوف ، وفي بعض منظوماته أنه دخل مصر بثوب خلق من صوف مقتديا في ذلك بمن تقدمه من زهاد الصوفية .وكان زاهدا حتى في الكتب العلمية...فكان لا يفتقر في مجالسه العلمية تواليفه في الفقه والمناسك والآداب إلى مطالعة كتاب ولا مراجعة شيء بجميع العلوم، وتحصيله منها المنقول والمفهوم، وما كان يطالع في ذلك سوى مجرد فكره السليم ونظره المسدد القويم .وكان طعام الشيخ محمد في المفاوز والخلوات الحشيش والنبات، ويقول هذا العيش هو أطيب الطيبات؛ فإذا ورد الحاضرة وبلاد العمران، وكّل أمر غذائه إلى من يثق به من معارفه أهل الولاية والعرفان .علمه ومؤلفاته: وكان الشيخ محمد بن عمر الهواري محبًّا في العلم وأهله من لدن صباه إلى أن توفاه الله، يتأنس به في وحشته، ويجعله كالصديق في غربته، وتواليفه كلها مشحونة بفضل العلم والحضّ على تعليمه، والثناء على العلماء العاملين ، وكان ملازما لقيام الليل، ذكره في كثير من كلامه، ونصّ عليه في التنبيه، وقال في تبصرة المسائل: أهل الرقاد مثل الربيع اليابس .وكان الشيخ محمد من العلماء الزاهدين، والفقهاء المتصوفين الفقراء الشاكرين؛ فكان إماما في جميع العلوم الشرعية، مقدما في الطريقة القرآنية، أشار في منظومته إلى أنه كان يحفظ الشاطبية والألفية وكثيرًا من الكراريس المشتملة على علوم القرآن رسما وأداء ونحوًا ولغة، وذكر في كثير من كلامه معرفته بكتاب ابن عطية في التفسير، وقيامه على التفسير الكبير للإمام فخر الدين ابن الخطيب، وأما الفقه فكان مشهورًا بحفظه، معروفا بالقيام على غوامضه، مقبولا قوله في فتاويه، متبحرًا في مذهب مالك، يحفظ منه ما لم يحفظه أحد من فقهاء عصره، عارفا بالخلافيات، ذكر معرفته بعلم الخلاف في كتابه التبيان، وذكر في كثير من كلامه أنه كان يحفظ رسالة ابن أبي زيد، وشرحها للقاضي عبد الوهاب، ومن محفوظاته أيضا المدونة المسماة بالتهذيب للبراذعي، وكان إكماله لحفظها سنة 776هـ، وكان يحفظ كتاب التلقين للقاضي عبد الوهاب وكتاب جامع الأمهات لابن الحاجب، ذاكرًا شرح ابن عبد السلام، قائما على فوائده .وكان مع هذه الدرجة العظيمة التي حصلت له في سائر العلوم مداوما على طلب العلم، مُكثرًا من تعليمه وتعلمه، مُعرضًا عن النظر إلى علمه أو عمله، ومنظوماته مفصحة بذلك، وأنه كان يحتقر علمه، ولا يرضى بعلمه .وكان من أئمة علم التوحيد سالكا فيه الطريق السديد، وكان من محفوظاته في هذا الفن كتاب الإرشاد في علوم الاعتقاد تأليف إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، إمام الشافعية في وقته، وكتابه الإرشاد هو مدونة علم التوحيد، وكان الشيخ من أهل المعرفة التامة بهذا الكتاب، وكان إذا قرئ شيء منه ينطلق لسانه فيه بما لم يسبق إليه، وبما لو سمعه مؤلفه لقال له: أنت العالم بمعاني هذا الكتاب المُحكِمُ لأصول بيانه على وجه الحق والصواب .ذكر ابن صعد أبرز مؤلفات الشيخ محمد بن عمر الهواري حيث قال إنه نظم في سنة 776هـ(1374-1375م) كتابه المسمى بـ"السهو في أحكام الطهارة والصلاة"، وسمّاه في بعض كلامه بالمؤانس ، وقال في نظمه المسمى بـ"الكافية" ، ومن مؤلفاته أيضا كتاب "التنبيه"، وكتاب "تبصرة المسائل"، وكتاب "التبيان".أخلاقه وسلوكه: كان الشيخ محمد مجبولا على الكرم والإيثار، معروفا بسخاوة النفس، محبًّا في الجود، وأما السِّماط فكان لا يفارقه، قال في التبيان: ولا بدّ [من] السِّماط للجالس ومن يمشي، وذكر في منظوماته أنه كان إذا تمّ له نظم تأليف أو أمر ديني جعل لذلك سماط من الطعام، إما باللحم أو الفاكهة، ويسمي ذلك الباروك .كان الشيخ متمسكا بصفة الفقر، متحققا بفضله، مُؤثرًا له على الغنى؛ فقد كانت الصدقات والنذور ترد عليه من جميع البلاد، ويهوي بها إليه المسافرون من جميع الأقطار البعيدة؛ فيصرف ذلك لوقته، ولا يخص نفسه بشيء منه، قال ابن صعد: حدثني جماعة من الثقات أنه قال: قلّ أن يرد على وهران جفن فيه جماعة من المسلمين إلا وفيه عدة أوصلة لسيدي محمد...فكان يتصدق بكل ما يرد عليه، وينفقه على الفقراء إيثارا لصفة الفقر .كان يحب الشرفاء الكرام ويعظمهم، ويذكر حقوقهم، قال المؤلف: حدثني جماعة من أهل الخير أنه كان معظما لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، يعترف لهم بالعبودية، وإذا قدم عليه أحد من الشرفاء قام له من مجلسه، ووقف كالخديم بين يديه، وأكرم نزله، وأبان للحاضرين فضله؛ فإذا انصرف عنه زوده بما يجده في الوقت من دراهم أو ثياب، قال سيدي محمد في بعض منظوماته: والشرف من فاطمة لا من علي؛ فإطلاق الشرف على غير أولاد الحسن والحسين إنما هو بحسب التبع .ويختم المؤلف هذا الكلام بالحديث عن مقام الشيخ؛ فيقول: لقد طالعت كثيرًا من مقامات الأولياء الأكابر، وتعرفت أحوالهم، ووازنتهم بمقام سيدي محمد وما أكرمه الله به؛ فوجدته جامعًا لذلك كله بل يزيد عليهم .وفاته: قال المؤلف: كانت المصيبة بوفاته على ما قرأته بخط سيدي إبراهيم صبيحة يوم السبت الثاني من شهر ربيع الثاني من سنة 843هـ(12/09/1439م)؛ فكانت مدة عمره على ما فهمته من كلامه في منظوماته اثنين وتسعين سنة . خاتمة: هذه بإيجاز المحطات البارزة في حياة الشيخ محمد بن عمر الهواري التي تعرّض لها ابن صعد التلمساني في كتابه، والتي سلطت الضوء من خلال مؤلفاته، أو من خلال تلميذه الشيخ إبراهيم التازي على كثير من جوانب حياته.لقد تطرق المؤلف إلى أبرز الجوانب المتعلقة بشخصية الشيخ محمد بن عمر الهواري، وأمدنا بكثير من المعلومات التي تزيل كثير من الفجوات المتعلقة بشخصية الرجل، والتي أغفلت ذكرها المصادر الأخرى التي تعرضت لحياته، ومع ذلك فإن المؤلف قد أغفل معلومات أخرى مثل رحلته إلى دمشق، وجلوسه في المسجد الأموي للتعلم وللتدريس.يعدّ الشيخ محمد بن عمر الهواري علما بارزًا من أعلام مدينة وهران بصفة خاصة، والجزائر بصفة عامة، وكان مصباحًا وهّاجًا أنار سماء مدينة وهران طيلة مقامه بها، ونوّر أذهان وقلوب أبنائها بما أسداه لهم من مختلف العلوم التي حصل عليها وأتقنها، وبما أسداه لهم من نصح ووعظ وجّه من خلاله سلوكهم في الحياة بغية الإسهام في تكوين جيل يكون خير خلف لخير سلف.

ملاحظة : هذا المخطوط وهو السهو والتنبيه موجود في مؤسسة الملك عبد العزيز الدار البيضاء.


2 commentaires:

Unknown a dit…

اريد مراجع عن سيدي الهواري

ORAN HISTOIRE ET NOSTALGIE a dit…

-روضة النسرين
-النجم الثاقب فيما لأولياء الله من مناقب
http://www.univ-constantine2.dz/files/Theses/Histoire/Magistere/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%87%D8%B1%20%D9%85%D9%86%D8%B2%D9%84%20.%D9%85%D8%A7%D8%AC%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D8%B1.pdf

-روضة النسرين في التعريف بالأشياخ الأربعة المتأخرين
تأليف محمد إبن صعد الأنصاري التلمساني (تأليف) يحيى بوعزيز (مراجعة) يحيى بوعزيز (تحقيق)

معسكرات إعادة التجميع، أو كيف عملت فرنسا على تفكيك الأرياف الجزائرية

 حرب التحرير الجزائرية معسكرات إعادة التجميع، أو كيف عملت فرنسا على تفكيك الأرياف الجزائرية خلال حرب الاستقلال، قام الجيش الفرنسي بتجميع سكا...