حرب تحرّر انطلقت شرارتها الأولى في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954 بعد 124 سنة من استعمار فرنسا للجزائر سنة 1830، وانتهت بإعلان الاستقلال في الخامس من يوليو/تموز/جويلية 1962، متوجة 7 سنوات من الكفاح المسلح الذي أسفر عن استشهاد مليون ونصف المليون جزائري.
أسباب الثورة الجزائرية
كانت ثورة التحرير الجزائرية تتويجا لمسار طويل من المقاومة الشعبية السياسية والمسلحة، ضد الاحتلال الفرنسي للبلاد، بداية بمقاومة الأمير عبد القادر الجزائري (1832 إلى 1847)، ثم مقاومة أحمد باي (1837 إلى 1848)، مرورا بمقاومة الزعاطشة (1848 إلى 1849) ولالّة فاطمة نسومر والشريف بوبغلة (1851 إلى 1857)، وصولا إلى مقاومتي الشيخ المقراني والشيخ بوعمامة (1871 إلى 1883).
وتضاف إلى ذلك أيضا حركات شعبية أخرى؛ على امتداد الجغرافيا الجزائرية، إلى غاية تشكّل ملامح الحركة الوطنية في ثلاثينيات القرن الماضي، مع "حركة نجم شمال أفريقيا"، التي تأسست سنة 1926 في باريس بقيادة مصالي الحاج، قبل أن تتحول سنة 1937 إلى "حزب الشعب الجزائري"، ثم إلى "حركة انتصار الحريات الديمقراطية" سنة 1946.
داخل جسد حركة الحريات، تشكّلت منظمة عسكرية سرية مكونة من بعض المناضلين المتحمسين لإطلاق ثورة مسلحة، على خلفية ظروف داخلية وخارجية اعتبروا أنها مواتية، خصوصا بعد مجازر 8 مايو/أيار 1945، (راح ضحيتها 45 ألف شهيد)، ارتكبتها فرنسا ضد الجزائريين المطالبين بحق الاستقلال على إثر الانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية.
كما شكّل انهزام الجيش الفرنسي في ديان بيان فو؛ بالهند الصينية سنة 1952، دافعا مهما لإطلاق ثورة جزائرية، انسجاما مع تنامي وانتشار حركات التحرّر في العالم.
بدايات ثورة التحرير الجزائرية
قبل تاريخ انطلاق ثورة التحرير بـ4 أشهر، وفي يوم 23 يونيو/حزيران 1954، التقى 22 فردا من شباب الحركة الوطنية، في منزل بأعالي العاصمة الجزائرية، ليطرحوا فكرة "الحل العسكري"، كبديل لما اعتبروه فشلا في المسار السياسي السلمي، داخل الحركة الوطنية.
وعلى إثر هذا الاجتماع -الذي ترأسه مصطفى بن بولعيد- انبثق قرار تعيين مجموعة مصغرة للقيام بالتحضيرات النهائية لإطلاق الثورة، ليكون تاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول 1954 موعدا للقاء مجموعة الستة (محمد بوضياف، مصطفى بن بولعيد، العربي بن مهيدي، مراد ديدوش، رابح بيطاط وكريم بلقاسم)، الذين اختاروا اسم "جبهة التحرير الوطني" لمنظمة تحرّرية مسلحة؛ تعمل على استقلال البلاد، على أن يكون الأول من نوفمبر/تشرين الأول 1954، على الساعة الصفر (ليلة 31 أكتوبر/تشرين الأول) موعدا لبداية الثورة.
أبرز محطات الثورة الجزائرية
بتعداد 1200 منخرط في الثورة، وبما يقارب 400 قطعة سلاح، أطلقت أول رصاصة من جبال الأوراس شرق الجزائر في الموعد المحدد، وتواترت العمليات المسلحة في مناطق مختلفة من البلاد، مع توزيع المنشورات باللغتين العربية والفرنسية، وأحصت الإدارة الاستعمارية ليلتها "30 حادثا؛ أخطرها في مناطق الأوراس، القبائل، العاصمة، الشمال القسنطيني ووهران غربا".
كان أول ردّ فعل للإدارة الفرنسية على هذه الأحداث، إصدار مرسوم بتاريخ الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، يقضي بحلّ كل المنظمات والهيئات السياسية الجزائرية والقبض على أكثر من 500 فرد من مناضلي ومسؤولي الحركة الوطنية، لتبدأ سلسلة من الملاحقات التي تزامنت مع عدة عمليات مسلحة، ضدّ مواقع وهيئات وشخصيات فرنسية، تبناها "جيش التحرير الوطني"، الذراع العسكرية لجبهة التحرير الوطني. كما عرفت هذه الفترة اغتيال أبرز قيادات الجبهة على غرار المناضل ديدوش مراد (18 يناير/كانون الثاني 1955).
من أبرز محطات الثورة سنة 1955، كانت هجمات أغسطس/آب، بالشمال القسنطيني، والتي أسهمت في تدويل القضية الجزائرية؛ من خلال حمل الجمعية العامة للأمم المتحدة على تسجيل "القضية الجزائرية" في جدول أعمال دورة 1955.
وجاء "مؤتمر الصومام" في 20 أغسطس/آب أوت سنة 1956، ليعيد ترتيب بيت الثورة، بعد تضييق الجيش الفرنسي على أهم منافذها في منطقة الشرق الجزائري. وبتوصية من المؤتمر، تم تقسيم البلاد إلى 6 ولايات، تتوزع بدورها إلى مناطق وكل منطقة على نواح، وكل ناحية إلى قسمات، تعمل وفق أوامر وتعليمات قيادة الثورة.
أدخلت جبهة التحرير، أساليب جديدة في التعامل مع التضييق الفرنسي على عناصرها في المناطق الجبلية، من خلال انتهاج حرب العصابات، والضربات الفردية في المدن الكبرى، على غرار الجزائر العاصمة التي شهدت بداية من سنة 1957، ضربات مركزة على الأهداف الفرنسية، في سياق ما عُرف بـ"معركة الجزائر"، ثم جاء إضراب شامل من (28 يناير/كانون الثاني إلى 4 فبراير/شباط 1957)؛ دعت إليه قيادة الثورة ولاقى تفاعلا كبيرا من أفراد الشعب.
وفي أعقاب هذا التأثير الكبير الذي أحدثته حرب التحرير على السلطات الفرنسية، في القرى والمدن، جاء خطاب الرئيس شارل ديغول في 4 يونيو/حزيران 1958 بالجزائر، والذي دعا فيه قادة جبهة التحرير، علنا، إلى المصالحة.
ترتب عن هذا "الرضوخ الفرنسي"، الإعلان في القاهرة، عن تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بتاريخ 19 سبتمبر/أيلول 1958.
هذه الخطوة السياسية، لم تمنع السلطات الفرنسية من تمديد عُمر حرب الإبادة التي شنتها ضد الشعب الجزائري؛ 4 سنوات أخرى، قبل الجلوس على طاولة المفاوضات والتوقيع على اتفاقيات إيفيان في سويسرا مع قادة جبهة التحرير، بتاريخ 18 مارس/آذار 1962.
أبرز القادة الذين أطلقوا شرارة ثورة التحرير الجزائرية
مصطفى بن بولعيد (1917-1956)
بدأ مسيرته النضالية بالعمل النقابي، وجُنّد إجباريا في الجيش الفرنسي 5 سنوات (1939-1944)، فكانت فرصة مواتية لتطوير مهاراته القتالية. انخرط في صفوف "حزب الشعب" وترشح لانتخابات المجلس الجزائري سنة 1948، وفاز في دورها الأول، لكن السلطات الفرنسية لجأت إلى التزوير وإلى محاولة اغتياله.
توجه إلى العمل المسلح من خلال الانضمام إلى المنظمة السرية. أسهم في جمع السلاح وتدريب المتطوعين من أجل التحضير للثورة، وأسهم بإنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل في 23 مارس/آذار 1954، وكان من ضمن مجموعة الستة التي هندست لتفجير الثورة.
مع اندلاع الثورة في 1954، واصل العمل قائدا لمنطقة الأوراس، إلى غاية إلقاء القبض عليه في تونس بتاريخ 11 فبراير/شباط 1955، وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، لكنه هرب من "سجن الكدية" برفقة عدد من المجاهدين وعاد إلى مركز القيادة، حيث أشرف على معارك ضارية، حتى استشهاده في 22 مارس/آذار 1956.
كريم بلقاسم (1922-1970)
نشأ في عائلة ميسورة الحال بمنطقة القبائل، عُرض على والده منصب "قائد" (مسؤول محلي في السلطة) في ظل الاستعمار الفرنسي ولكنه رفض. تلقى تعليما في المدارس الفرنسية بالعاصمة؛ ثم انخرط باكرا في صفوف حزب الشعب، ليلتحق بعد ذلك بالمنظمة السرية.
كان أحد مفجري الثورة وقائدا للمنطقة الثالثة. خاض عددا من العمليات العسكرية وتمكن خلالها من تثبيت المنطقة الثالثة في مسار الثورة، شارك في "مؤتمر الصومام" وأصبح عضوا في لجنة التنسيق والتنفيذ.
تقلد منصب وزير القوات المسلحة بعد تأسيس الحكومة المؤقتة الجزائرية، ثم وزيرا للخارجية. قام بدور كبير على رأس الوفد الجزائري في مفاوضات إيفيان، في مختلف جولاتها، ووقع إعلان وقف إطلاق النار. اغتيل بعد الاستقلال في ألمانيا وسط ظروف غامضة.
محمد بوضياف (1919-1992)
أكمل دراسته الثانوية بمسقط رأسه "المسيلة" شرق البلاد، مما أهّله للحصول على وظيفة إدارية بمصالح تحصيل الضرائب، تم تجنيده سنة 1942 في الجيش الفرنسي ليشارك في معارك الحرب العالمية الثانية بإيطاليا، سنة 1944.
انخرط في حزب الشعب الجزائري، ثم شارك في تأسيس المنظمة السرية سنة 1947. قبيل الثورة، عاد إلى الجزائر وتابع تنفيذ خياره الثوري من خلال العمل مع مجموعة الـ22 تحضيرا لتفجير الثورة.
تقلد عضوية المجلس الثوري خلال أشغال مؤتمر الصومام، إلى أن تم توقيفه في أكتوبر/تشرين الأول 1956 خلال رحلة جوية بين الرباط والقاهرة برفقة أحمد بن بلة، محمد خيضر، حسين آيت أحمد ومصطفى الأشرف.
ظل رهين السجن إلى غاية استقلال الجزائر، وفي عام 1963 تعرض للاعتقال؛ قبل أن يتوقف عن النشاط السياسي ويستقر بالمغرب.
عاد إلى الجزائر خلال أزمتها السياسية سنة 1992، وعيّن رئيسا للبلاد، قبل اغتياله خلال اجتماع عام بمدينة عنابة شرق البلاد في 29 يونيو/حزيران 1992.
ديدوش مراد (1927-1955)
تلقى تكوينا نظاميا بالموازاة مع تعلمه للقرآن الكريم، فحصل على الشهادة الأهلية واشتغل بمؤسسة السكة الحديدية للجزائر العاصمة، انضم إلى حزب الشعب ومنه بصورة حتمية إلى المنظمة المسلحة، انتقل إلى قسنطينة شرق البلاد؛ حيث عين مسؤولا عن حزب الشعب خلال سنوات 1948-1950.
بعد اكتشاف المنظمة السرية من طرف السلطات الفرنسية التحق بجبال الأوراس وتدرب على السلاح، وفي سنة 1952، عاد إلى العاصمة وتعرض لمضايقات مستمرة من طرف الشرطة الفرنسية.
سافر إلى فرنسا باسم مستعار، ثم عاد إلى الجزائر قبيل الثورة، ليكون واحدا من مجموعة الـ22، ومسؤولا عن انطلاق الثورة في الشمال القسنطيني، جاء استشهاده سريعا على أرض المعركة بتاريخ 18 يناير/كانون الثاني 1955 في منطقة "بوكركر"، بعد 78 يوما من انطلاق الثورة.
رابح بيطاط (1925-2000)
تلقى تعليمه الأول بمسقط رأسه بعين الكرمة في قسنطينة شرق البلاد، وتمكن من الحصول على وظيفة في معمل التبغ، انخرط في صفوف حزب الشعب في سن صغيرة، ثم أضحى واحدا من أهم الأعضاء الفاعلين في المنظمة السرية، وفي سنة 1950 حكم عليه غيابيا بالسجن لمدة 10 سنوات.
شارك في الإعداد لتفجير الثورة بالعاصمة الجزائرية، ولنشاطه الكبير، ألقي عليه القبض بعد أشهر من انطلاق الثورة، وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة. واصل نضاله على الرغم من وجوده في السجن، وخاض إضرابا عن الطعام عدة مرات باعتباره سجينا سياسيا، إلا أنه لم يطلق سراحه إلا غداة الاستقلال.
شارك بعد الاستقلال في عدد من المناصب الوزارية، كما ترأس المجلس الشعبي الوطني الجزائري لـ4 فترات تشريعية إلى غاية استقالته سنة 1990، وافته المنية بالجزائر العاصمة في 10 أبريل/نيسان 2000.
العربي بن مهيدي (1923-1957)
أنهى تعليمه الابتدائي بمسقط رأسه بناحية عين مليلة التابعة لأم البواقي شرق البلاد، كما انضم في صغره إلى الكشافة الإسلامية وأصبح قائدا لفريق الفتيان.
انخرط في حزب الشعب سنة 1942 وشارك واعتقل في مظاهرات 8 مايو/أيار 1945. وكان من أوائل الشباب الذين التحقوا بالمنظمة السرية؛ حتى أصبح رئيس أركان هذا التنظيم سنة 1950، وبعد اكتشاف التنظيم انتقل إلى وهران غرب البلاد حتى تكوين اللجنة الثورية للوحدة والعمل.
بعد انطلاق الثورة أصبح قائد المنطقة الخامسة في وهران غرب البلاد، وعمل على انعقاد مؤتمر الصومام ومواصلة تنظيم الثورة، وعيّن عضوا بلجنة التنسيق والتنفيذ التي مثلت القيادة العليا للثورة.
مع بداية سنة 1957، قاد معركة الجزائر حتى اعتقاله واستشهاده تحت التعذيب في مارس/آذار 1957. قال عنه جلاده الجنرال الفرنسي مارسيل بيجار "لو أن لي ثلاثة من أمثال العربي بن مهيدي لغزوت العالم".
نتائج الثورة الجزائرية
بعد 7 سنوات من إطلاق أول رصاصة في جبال الأوراس الجزائرية، جلس قادة الثورة الجزائرية على طاولة التفاوض؛ في مواجهة ممثلي الإدارة الفرنسية، لسماع استجابتهم لتقرير مصير الجزائريين، من خلال استفتاء يُجرى في فترة تتراوح من 3 إلى 6 أشهر من تاريخ نشر نص الاتفاقية، اعتبارا من يوم 19 مارس/آذار 1962 (تاريخ وقف إطلاق النار).
حُدّد تاريخ الاستفتاء في الأول من جويلية 1962، واستجاب الجزائريون بالتصويت الساحق لصالح "دولة مستقلة" ابتداء من تاريخ الخامس من جويلية 1962، وبذاكرة أحصت 1.5 مليون شهيد و132 سنة من الاستعمار الفرنسي.
منقول يتصرف.