dimanche 28 janvier 2018

ملوك مدينة وهران 6

ملوك مدينة وهران
الدولة السادسة : المرينيون

ثم ملك وهران الدولة السادسة ، وهم المرينيون ، ويقال لهم بنوا حمامة.
 أما تسميتهم بالمرينيين فذلك نسبة لجدهم مرين بن أمير الناس على قول ، وابن ورتاجن على الآخر .
 وأما تسميتهم ببني حمامة فذلك نسبة لجدهم حمامة ابن محمد بن ورزين.
 واختلف في نسبهم على ثلاثة أقوال :
 فقال صاحب أثمد الأبصار وغيره إنهم أدارسة من ذرية يحيى بن إدريس .
 وقال صاحب القرطاس إنهم زناتة من ذرية ماخوخ الزناتي .
 وقال أيضا في موضع آخر إنهم من نسل قيس بن غيلان بن مضر. ومن زنات تفرقت قبائل زناتة فهم عرب صريحون وسبب تغيّر لسانهم عن العربية إلى البربرية أن بر بن نزار كان له ولدان : قيس ،  ودهمان ، ابنا  غيلان. فدهمان ولده قليل وهم أهل بيت من قيس يعرفون ببني امامة. وقيس ولد أربعة رجال وجارية وهم : سعيد وعمر وحفصة أمهم مريم بنت أسد بن ربيعة بن نزار ، وبرّ ونماض أمهما بريع بنت محمد بن مجدل بن عمر ابن مضر المجدولي. وكان البربر يسكنون بالشام ويجاورون العرب في الأسواق والمساكن والمراعي ، ويشاركونهم في المياه والمساعي ويصاهرون بعضهم بعضا. وكانت البها بنت دهمان بن غيلان بن مضر من أجمل النساء وأكملهنّ ظرفا وطربا وحسنا فكثر طلابها للتّزويج من كل قبيلة فقال أبناء عمها قيس وهم : عمر وسعيد وبرّ وحفصة لا يتزوج بنت عمنا غيرنا فخيّروها فاختارت برّا لكمال شرفه وصغره وتزوجته فحسده اخوته عليها وهموا بقتله. وكانت أمه بريع من دهاة النساء فبعثت إلى ولدها بر وزوجته البها وأمرتهما بالذهاب معها لقومها فوافقاها وذهبوا فنزلوا عند أخواله وأعرس بها وامتنع من قومه فولدت له البها علوان ومادغس :
فعلوان مات صغيرا ولم يعقّب ، ومادغس لقّب بالأبتر فهو
جدّ البتر ومن ولده جميع زناتة فبمكث برّ بالبربر تغير لسانه وأورث في ذريته فهذا هو السبب وقالت في ذلك أخته ترثيه :
وشاطت ببرّ داره عن بلاده 
واطرح برّ نفسه حيث يمّما
وأورث برّ لكنة أعجميّة
وما كان برّ بالحجاز بأعجما
وقال أبو فارس في أرجوزته نظم السلوك :
فجاورت زناتة البرابرا
فصيرت كلامهم كما ترا
وما بدّل الدهر سوى أقوالهم 
ولم يبدّل منتهى أحوالهم 
بل فعلهم أربى على فعل العرب 
في الحال والآثار ثم في الأدب 
فانظر كلام العرب قد تبدّلا
وحالهم عن حاله تحوّلا
لا يعرفون اليوم ما الكلام 
وما لهم نطق ولا إفهام 
وإن تمادت بهم الأحوال 
لم يبق في الدهر لهم أقوال 
كذاك كانت قبلهم مرين 
كلامهم كالدّرّ إذ يبين 
فاتخذوا سواهم خليلا
وبدّلوا كلامهم تبديلا
وأصل مواطنهم كاخوتهم بني لومى ومديونة ، قبلة زاب إفريقية ثم دخلوا المغرب سنة تسع وستمائة (1) فنزلوا من فقيق إلى تفلالت إلى ملوية. وكانت بين بني لومى هؤلاء وبين بني مانّوا حروب عظيمة هلك فيها ماخوخ الزناتي صاحب الخيمة المشهورة التي آثارها للآن ببلاد أولاد علي من بني عامر في أواخر المائة الخامسة وكان بنوا لومى يمدون بني مرين بالجيوش وسبب مصير الملك إليهم أنهم كانوا ببلادهم المذكورة رئيسهم محمد بن ورزين. ثم قام ابنه حمامة مقامه ثم أخوه عسكر ثم ابنه المخضّب ولما سمعوا بعبد المؤمن بن علي الموحّدي غزى وهران واستولى على أموال لمتونة وبعث بها لتنمليل تعرّضوا له من الزّاب مغلغلين إلى وادي تلاغ فاستولوا  عليها به ثم لحقهم  الموحدون ومعهم بنوا عبد الوادي فكان المصاف بفحص حسّون وانكشف المرينيون وقتل شيخهم المخضب واكتسح العبد الواديّون حللهم سنة أربعين من
__________________
(1) الموافق 1212 ـ 1213 م.


السادس (1) فلحقوا بالصحراء وركد ريحهم إلى سنة عشرة من السابع (1) في وقت المنتصر الموحدي وكان صبيّا صغيرا لا يعرف شيئا أتوا على عادتهم للكيل فوجدوا الغرب لا حياة فيه لمن تنادي فأقاموا بمكانهم وبعثوا لإخوانهم على القدوم فأسرعوا على الخيل والنجائب ، يقطعون المهامة والسّباسب يريدون الدنو والبلاغ ، إلى أن وصلوا لوادي تلاغ ، فدخلوا المغرب بجيش كالجراد يقمع الحاضر والباد ، فظهر ما كان في الغيب مجهولا ليقضي الله أمرا كان مفعولا. قال أبو فارس في أرجوزته :
في عام عشرة وستمائة
أتوا إلى الغرب من البريّة
جاؤوا من الصحراء والسباسب 
على ظهور الخيل والنجايب 
كمثل ما قد دّخل الّلمتونيّون 
من قبل ذا وهم لهم ميمّمون 
فهذا سبب مصير الملك إليهم. قال ابن خلدون : وهم قوم مرهوب جانبهم شديد بأسهم من أقوى القبائل وأنجدها وأفرسها كثير جمعهم ، مضاهون للعرب والفرس واليونان والروم. وفيهم قال ابن الخطيب في رقم الحلل :
وأورث الله بلاد الغرب 
للسّادات الغرّ الكرام النجب 
أهل الخيول والرماح والهمم 
أقوى بني الدنيا وأوفى بالذّمم 
وأدرب الخلق بركض الخيل 
وخوض أحشاء الفلا والليل 
قاموا وقد بان اختلال الطاعة
بمذهب السّنّة والجماعة
ولما دخلوا المغرب تفرقوا فيه وشنّوا الغارات فمن أذعن لهم سالموه ومن أبى قتلوه. ففرت الناس منهم وبلغ خبرهم إلى أمير الموحدين المستنصر فقال لقومه : ما ترون من هؤلاء فاتفق رأيهم على محاربتهم فبعثوا لهم جيشا فيه عشرون ألفا تحت رئاسة أبي علي بن واندين فسمعت مرين فلقيتهم بأكمل حالة وجعلوا أموالهم وحريمهم بقلعتي : تازة وزا فلما تراء الجمعان كانت الدائرة لمرين على الموحدين فقتلوهم ذريعا وهزموهم شنيعا واحتووا على ما في المحلة
__________________
(1) الموافق1145ـ 1146 م.
(2) الموافق 1213 ـ 1214 م.

بأجمعه ودخل فلّ رباط تازة وفاسا منهزمين ، وبالمشعلة مستترين ومنحرمين. وهي نبت يشبه الحلفا له أوراق طويلة عريضة تمسيها عامة المغرب بلحية الشيخ ويقال لها بالشلحة الأثموج وأكثر نبتها قبلة تازة سيما بلاد مكناسة وقلوبهم بالحزن مشتعلة ، فسمّي العام عام المشعلة وهو عام ثلاثة عشر وستمائة (1).
وأول ملوكهم بالمغرب عبد الحق بن محيوا وكان فاضلا صالحا متبركا به وهو الذي استخلص الملك من غيره لكنه لم يستول على كرسي الخلافة بمراكش. ثم ابنه أبو سعيد عثمان ، ثم أخوه أبو معرّف محمد بن عبد الحق وبايعته كافة مرين وسار فيهم سيرة حميدة وكان بطلا شجاعا ، شهما مهابا مطاعا ، كثير الغارات لا يفتر عن القتال والمحاولات. وفيه قال صاحب الأرجوزة :
ثم ولّي من بعده محمد
وكان في أموره مسدّد
فكان لا يفتر عن قتال 
مواضبا للحرب والنّزال 
كم عسكر له وكم حشود
ومن جميع جمّة الجنود
وكم من جيش جاء من مراكش 
أفناه بالحروب والتناوش 
نهاره وليله طعان 
لكنه مؤيّد معان 
ولم يزل في قتال الموحدين إلى أن قتل بصخرة أبي بياس من أحواز مدينة فاس ، يوم الخميس تاسع جمادى الثانية سنة اثنين وأربعين من السابع تحاملا مع زعيم الروم. ثم أخوه أبو يحيى زكرياء بن عبد الحق وهو أول من عمل من ملوكهم مراسم الملك من بنود وطبول وغيرها. وأوّل ما ابتدأ به تقسيم البلاد على قومه وإنزال كل قبيلة في ناحية وأمرهم بتكثير الجيش وركوب الرجال وما غلبت عليه كل قبيلة فهو لها وتوفي بفاس ودفن بإزاء قبر الفشتالي تبرّكا به.
ثم أخوه سلطان الجهاد أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني ولقبه المنصور. وقد استوفى أبو فارس في أرجوزته سيرته حيث قال :
سيرة يوسف بن عبد الحق 
قد حاز فيها قصبات السّبق

__________________
(1) الموافق 1216 ـ 1217 م.

سيرته أن يقرأ الكتابا
ويذكر العلوم والآدابا
يقوم للصلاة ثلث الليل 
وما له عن ورده بميل 
إلى آخر الأبيات السبعة والعشرين وشرع في تمهيد المغرب ففتح  بلاده من أقصى سوس إلى وجدة وفتح مراكش وقطع ملك الموحدين ومحا أثرهم وجاز للأندلس فدوّخها وملك بها ما يزيد على خمسين قصرا ما بين مدن وحصن كمالقة ورندة والخضراء ، وطريف ومربات وأشبونة وما بين ذلك من الحصن والقرى والبروج وخطب له على جميع منابر الغرب فهو أول ملك حمى الإسلام من بني مرين ونزل في سنة ثمان وخمسين من السابع بتازة (1) يستنشق ريح يغمراسن فبلغه الخبر بأن النصارى دخلوا مدينة سلا غدرا ووضعوا السيف في رقاب أهلها فجدّ السير لها يومه وليلته إلى أن أدرك المسلمين وخلّصهم من العدوّ وأطرد العدو منها وبنى عليها السّور وغزى مراكش سنة ستين من السابع (2)فحاصرها شديدا وغلق أميرها المرتضى على نفسه ثم خرج منها ووقعت بينهما حروب عظيمة قتل فيها عبد الله ولد المريني فارتحل عنها. وفي ذلك قال أبو فارس عبد العزيز في أرجوزته :
في عام ستّمائة وستين 
سار المراكش سلطان مرين 
فوقف المنصور بجليز
مبرزا بأحسن التبريز
وعاد فيها المرتضى محصورا
ذا أرق في قصره مقصورا
ودارت الأعراب بالأسوار
واعتمدوا فيها على الإحصار
وضيّق على أبي دابوس بمراكش شديدا ولما أيقن بعدم النجدة / استصرخ بيغمراسن فشن الغارات على أطراف الغرب فرجع إليه المريني ووقع المصاف بوادي تلاغ الغربي وحصلت الحرب العظيمة بينهما من الضحى للظهر فرجعت الدائرة على يغمراسن فهزم وقتل أكبر أولاده عمر. ثم غزى تلمسان في سنة تسع وستين من السابع (3) فلقيه يغمراسن بواد سلى قرب وجدة فوقع بينهما حرب
__________________
(1) الموافق 1259 ـ 1260 م.
(2) الموافق 1261 ـ 1262 م.
(3) الموافق 1270 ـ 1271 م.



عظيم مات فيه من جيش يغمراسن خلق كثير ولو لا ما حال الظلام بينهما لم تقم قائمة لبني عبد الوادي وفرّ يغمراسن لتلمسان وأضرمت محلته نارا وتبعه يعقوب المريني فمرّ بوجدة وجعل عاليها سافلها وسبى أموالها وزاد لتلمسان فحاصرها شديدا وأدار محلاته بها وجاءه بها محمد بن عبد القوي إعانة ثم سرحه لأهله ولم ترتحل عنها حتى وصل التجيني بلده خشية عليه من يغمراسن ثم أقلع عنها ورجع للمغرب فقال بعض كتابه ، الملزمين لخدمة بابه :
فإنك إذا الخيل جالت حبستهم 
قضاء من الرحمان ما منه عاصم 
فذاك على اليمنى يبيد حمامتها
وهذا على اليسرى فأين المقاوم 
ووالدهم في جاحم الحرب بينهم 
يبيد حماة الجيش والسّقر قائم 
فويحك يا يغمور هل لك حاجز
أيقظان حقا أنت أم أنت نائم 
أفي كل عام تترك ابناك للفنى 
وتسبى لك المغيد الحسان المكارم 
وجهّز جيشا قدره خمسة آلاف لنظر ولده أبي زيان سنة ثلاث وسبعين من السابع (1) فغزى الأندلس به ونزل بطريف واستراح ثلاثا ومنه للحيرة فغنمها وبعث بالغنائم للجزيرة ووالى السير في الأرض يفتح ويسبي إلى شريش ورجع بالغنائم للجزيرة ولحقه والده في سنة أربع وسبعين من السابع (2) ففتح فتوحا كثيرة وغنم غنائم عظيمة وجال بالقتل والسبي والتخريب وقتل زعيم النصارى دنونة(3) وهزمت عساكره وأوتي له بالرؤوس فكانت نيفا وثمانية عشر ألفا على ما لصاحب الأنيس ، وتسعة آلاف على ما لصاحب رقم الحلل ، فجعلت تلا وأذّن عليها للصلاة وصلى المسلمون بالمعركة الظهر والعصر وأوتي له برأس دنونة فبعثه لابن الأحمر فكوفره ومسّكه ابن الأحمر وبعثه للفنش (الفونسو) تقرّبا منه وتجنبا من أبي يوسف. قال ابن الخطيب في رقم الحلل :
تسعة آلاف من الكفّار
دعا بهم داع إلى البوار
وعدد الأسارى سبعة آلاف وثمانمائة وثلاثون أسيرا والكراع أربعة عشر ألفا
__________________
(1) الموافق 1274 ـ 1275 م.
(2) الموافق 1275 ـ 1276 م.
(3) لم نتعرف على اسمه الحقيقي.



وستمائة والبقر مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، وأما الغنم فضاقت بها الأرض وبيعت الشاة بدرهم والمرأة بدينار ونصف. ولما قسم الغنائم ارتحل ونزل قصر الصخرة فأتاه هرنادة (1) ملك قشتالة لعقد الجزية وقبّل يد السلطان فدعا بماء بمرأى بطارقته وغسلها من قبلته فكانت له فخرا وفي ذلك قال لسان الدين ابن الخطيب في رقم الحلل :
واجتمع القوم بقصر الصخرة
وشاهد النّاس جميعا فخره 
وحين حل بالخضراء بعث له أبو محمد بن أشقيلولة كتابا يهنّيه بالفتح مشتملا على قصيدة عينية فيها تسعة عشر بيتا مطلعها :
هبّت بنصركم الرياح الأربع 
وجرت بسعدكم النجوم الطوالع 
واصطلح في سنة أربع وسبعين من السابع (2) مع شانجة طاغية الروم فبعث له الطاغية بثلاثة عشر حملا من كتب المسلمين التي أخذوها ما بين الكتاب العزيز وتفاسيره وكتب الحديث وشراحاته وكتب الفروع والأصول واللغة والعربية والآداب وغيرها وأتاه العلامة الأديب أبو فارس عبد العزيز المكناسي ناظم الأرجوزة التي يقال لها نظم السلوك بقصيدة بائية مشتملة على مائتين وثلاثين بيتا يذكر فيها سيرته وجهاده وغزواته وجميع أموره كلها مطلعها :
بحمد الله أفتح الخطابا
وأبدأ في النظام؟ والكتابا
لعل الله يبلغني أمالي 
ويفتح بالسّرور عليّ بابا
فأنشدها بين يديه قارئه أبو زيد عبد الرحمن الفاسي الغرابلي وحضور أشياخ بني مرين والعرب لقراءتها فاعطا لقارئها مائتي دينار وللنّاظم ألف دينار وخلعا ومركوبا ومن أرادها بتمامها فعليه بالأنيس ، أو دليل الحيران. وتوفي ضحى يوم الثلاثاء ثاني عشرين من المحرم كما في الأنيس ، وصفر كما في عجائب الأخبار ، سنة خمس وثمانين من السابع (3)  بالجزيرة الخضراء بعد موت
__________________
(1) لعله يقصد : HERNANDO.
(2) الموافق 1275 ـ 1276 م.
(3) الموافق 20 مارس أو 21 أبريل 1286 م.


يغمراسن بخمس سنين كما في الخبر المعرب. وحمل إلى رباط الفتح من بلاد العدوة ودفن بمسجد شالة منها كما في الأنيس وبموته انصدع الإسلام. قال الحافظ أبو راس في عجائب الأسفار : ولو لا يغمراسن ألهاه بشن الغارات لا ستردّ كثيرا من الأندلس فكان له مانعا من الموانع.
ثم ابنه يوسف الناصر فصالح ابن الأحمر وجدد الصلح لابن الفنش (الفونسو) وأكثر من غزو الأندلس فأثخن في النصارى ثم صرف عزمه لغزو تلمسان بسبب ابن عطوا فحاصرها وبها ملكها عثمان بن يغمراسن ودام حصاره عليها أعواما وشهرا ومات ملكها عثمان أيام الحصار وانتهت عساكر المريني إلى إفريقية واشتدّ البلاء على أهل تلمسان إلى أن قتله غلامه وهو نائم مع إحدى جواريه فافرجت عساكر مرين عنها وحمل إلى شالة برباط الفتح ودفن بها. ولما مات جلس ابنه أبو سالم على الكرسي فغلبه ابن أخيه أبو ثابت وخلعه بإعانة أبي حمّ الزياني.
ثم أبو ثابت عامر بن عبد الله فارتحل عن تلمسان ورجع للمغرب فدوخه كثيرا وجال في نواحيه إلى أن توفي بقصبة طنجة فجلس على كرسي الملك عمّه علي بن يوسف فخلع فورا ورضوا بسليمان أخي أبي ثابت. ثم أبو الربيع سليمان بن عبد الله أخو أبي ثابت فجدّد الصلح مع آل زيان وتوفي مريضا بتازة ودفن من ليلته بصحن جامع تازة وقد ترفّهت الناس في أيامه باتخاذ الدّواب  والملابس الجيدة وتشييد الدور وترويقها بالزّليج والرخام والنّقوش. ثم أبو سعيد عثمان السعيد بن يعقوب فمهّر الملك ودوّخ المغرب وأوقع بملوية ووجدة وبني يزناسن كثيرا وحاصر تلمسان شديدا وبها سلطانها أبو حمّ موسى بن عثمان ثم أفرج عنها ورجع للمغرب وغزى الأندلس وطالت مدته في التدويخ ووقع الخلل بينه وبين ولده عمر فاجتمع العسكر على عمر وخاف السعيد من العسكر فانتصر عليه ولده وهرب السعيد لتازة ولحقه بها ولده وحصره إلى أن سلّم له الأمر بالأشهاد وبقي بتازة ثم سار ولده بالجيوش لفاس وحلّ به المرض الشديد فحاصره أبوه بها إلى أن سلّم له الأمر على أموال عظيمة أعطاها له السعيد مع سجلماسة وترك الملك لأبيه فاستقلّ به إلى أن مات. وهؤلاء الملوك التسعة من بني مرين لم يملك واحد منهم وهران.


ثم ملكها أبو الحسن المريني وهو عليّ بن عثمان السعيد بن يعقوب ابن عبد الحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة بن محمد بن ورزين بن فلوس ابن كرماط بن مرين فدوّخ المغرب بأجمعه وحاصر تلمسان مدة حصرا شديدا وبنى المنصورة غربي تلمسان مدة الحصار وفيها يقول ابن الخطيب السلماني في رقم الحلل :
ثم بنا المنصورة الشهيرة
البلدة الجامعة الكبيرة
وقيل بناها يوسف بن يعقوب كما مرّ وفتك بأهل تلمسان فتكا عظيما وقاتله مالكها أبو تاشفين إلى أن استشهد هو وأولاده ووزيره فدخلها عنوة ولما حلّ بها طلب الإعانة منهم بالأموال للجهاد فقال له أبو زيد بن الإمام لا يصح لك حتى تكنس بيت المال وتصلي فيها ركعتين كما فعل عمر رضي‌الله‌عنه. وفتح ندرومة ووجدة ورجع للمغرب. ثم غزى طريف بالأندلس فهزم هزيمة كبيرة حصدت فيها شوكة المسلمين. ثم غزى وهران والمغرب الأوسط إلى أن وصل لإفريقية بسبب أن السلطان أبا بكر الأصغر الحفصي لما توفي سنة سبع وأربعين من الثامن(1) وكثر القتال بين بقيّة بني حفص وبين ولديه أبي العباس وأبي فارس وأضرمت إفريقية نار الفتنة هرب حاجب السلطان محمد بن تافركين للمغرب لسعاية بلغت به فلحق بأبي الحسن المريني وصار يرغبه في ملك تونس ويسهل عليه أمرها ويهوّنها عليه وكانت نفسه تحدثه لما فتح تلمسان بإفريقية ويتربّص بالسلطان أبي بكر فقويت عزائمه عليها ثم أخبر بمهلك ولدي أبي بكر أبي العباس وأبي فارس فارتحل من مراكش وجدّ السّير إلى تلمسان فوافته بها الحشود من كل جهة وارتحل في صفر سنة ثمان وأربعين من الثامن (2) يجرّ الدنيا بما حملت فنزل بوهران وفتحها وأمر ببناء البرج الأحمر بها فبني وجعل في وسطه دائرة لا تراكين لها بناء محكما واتقنه إلى أن كاد الجوّ يغصّ به وقلّما يوجد مثله في السّعة واتقان البناء فهو إيوان الحكم لكل من ملك  وهران ثم بنى ثانيا برج  المرسى كلاهما تلك السنة فبينما هو بوهران إذ وفدت عليه بها أولاد حمزة ، والكعوب وسائر أمراء إفريقية وبعث ابن مكي أمير
__________________
(1) الموافق 1346 ـ 1347 م.
(2) الموافق ماي ـ جوان 1347 م.

قابس وفده بالطاعة وابن جلول صاحب توزر وابن عابد صاحب قفصة وصاحب الحامة وصاحب نفطة كلهم بايعوه بوهران رغبة ورهبة وأدّوا بيعة ابن ثابت صاحب طرابلس لبعد داره ثم قدم في أثرهم يوسف بن منصور صاحب الزّاب ومعه كبير الذواودة يعقوب بن علي فأوسع الكل كرمه وجوائزه وعين القهارمة لإتمام البرجين المذكورين والعمالة والولاة وفي ذلك قال الحافظ أبو راس في سينيته :
ثامن قرن قدمها المريني أبو
حسن ثمت بيعة طرابلس 
بنا بها الأحمر ففاق كل بنا
ثم بنا الثاني حذو سفن المرس 
ثم ارتحل يجرّ الأمم قاصدا إفريقية فمرّ على كل بلدة ومكان في أمن وأمان إلى أن دخل تونس في يوم مشهود يقلّ مثله بعده في الوجود ، ومعه شيخ الموحدين بتونس أبو محمد بن تافركين بجنود عظام فبايعه بها خمسون ملكا ووافق ذلك موت الحاجب لتعلقات العلم وجامع أشتات النثر والنظم وإمام المصنفين بحكم أقرانه الراشدة العلامة ابن هارون أحد شارحي ابن الحاجب وشيخ ابن عرفة وزوجته في ليلة واحدة ، فقدم السلطان لما حضر جنازتهما للصلاة عليهما أبا عبد الله السبطي صاحب الفتوى بالمجلس الذي أولاده مشهورون بأولاد السّبطي للآن بفاس. ولما حلّ بتونس اندفع إليه الشعراء بها يهنونه بالفتح وكان سابقهم في تلك النوبة أبو القاسم الرحوي من ناشئة أهل الأدب فرفع  إليه قصيدة بائية محتوية على ثمان وستين بيتا مطلعها :
أجابك شرق إذ دعوت ومغرب 
فمكّة هشّت للقاء ويثرب 
ونادتك مصر والعراق وشامه 
بدارا فصدع الدين عندك يشعب 
وحيّتك أو كادت تحيّي منابر
عليها دعاة الحق باسمك تخطب 
وانظر تمامها إن شئت في ترجمان العبر أو دليل الحيران.
ثم غزى من تونس العرب بالقيروان بعد صلاة عيد الأضحى فوافاهم في الفرح بين بسيط تونس وبسيط القيروان المسمى بالثنية فأجفلوا أمامه وقاتلوه منهزمين وهو في اتباعهم إلى أن حلّ بالقيروان ورأوا أن لا ملجأ منه فاتفقوا على الاستماية ودسّ إليهم من عسكر السلطان بنوا عبد الواد ومغراوة وتجين
فغلبوا بني مرين وواعدوهم بالمناجزة صبيحة يومهم ليتحيزوا إليهم براياتهم وصبحوا معسكر السلطان فركب إليهم التعبئة فاختلّ مصافه وتحيّز إليهم الكثير من جيشه فكانت الدائرة عليه ونكب نكبة عظيمة ونجا إلى القيروان فدخلها في الفلّ من عساكره وتدافعت ساقات العرب في إثره وتسابقوا إلى محلّته فنهبوها ودخلوا فساطيطه واستولوا على ذخائره والكثير من حريمه وأحاطوا بالقيروان ودارت حللهم بها وتعاوت ذيابهم بأطراف البقاع وأجلب ناعق الفتنة من كل مكان ولم ينج إلّا في أرذل حالة وذهب ليلا إلى سوسة على تعبئة فركب منها في الأسطول إلى تونس وحل بها فشرع في إصلاح ما ثلم منها.

عودة وهران لدولة بني زيان
ثم  رجع ملك وهران للدولة الخامسة وهي دولة بني زيان فملكها بعد أن استولى على تلمسان أبو سعيد بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن الزياني فأحيى الدولة الزيانية بعد العفاء وأظهرها بعد طول الخفاء وهو سادس الملوك الزيانية ، وعاشر القاسمية ، بويع له في ربيع الأول سنة تسع وأربعين من الثامن (1)بأرض إفريقية وجاء مغربا ومعه توجين ومغراوة وبنوا عبد الواد ولما حلّ بشلف فارقته توجين ومغراوة بعد التحالف على المناصرة عند الحاجة وتمادى بنوا عبد الوادي بسلطانهم لتلمسان. وكان أبو عنان المريني أقام بها عثمان بن جرار أحد بني طاع الله فبعث لهم ابن جرار أخاه في جيش للمحاربة فكان مصاف القتال بسكّاك فقتل ابن جرار وأخذ ما معه إلّا اليسير وجاء أبو سعيد لتلمسان فسأل عاملها ابن جرّار الأمان فأمن ودخلها أبو سعيد في جمادى الثانية تلك السنة (2) ، فبرز في سماء الخلافة وشارك أخاه أبا ثابت في المملكة فكانت السكة والخطبة لأبي سعيد ، وأمر الحرب واستتباع الجيوش لأبي ثابت ، واختار أخوهما الأكبر أبو يعقوب سكنى ندرومة منقطعا للعبادة ، وتركا أبا الحسن المريني بالمشرق فمهدا البلاد ودوّخا العباد. فبينما هما كذلك إذ أتاهما الخبر أن أبا الحسن نزل بالجزائر ومعه وزمار بن عريف السويدي الهلالي على ما
__________________
(1) الموافق ماي حوان 1348 م.
(2) الموافق أوت سبتمبر 1348 م.

  
لابن خلدون ، والمخزومي ،  على ما للحفاظ الثلاثة : أبي راس المعسكري ،  وموسى بن عيسى المازوني المغيلي ، وابن الخطيب التلمساني القرشي ، وتجين وعرب تلك النواحي ، وأنه رايم تلمسان فخرج أبو ثابت بجيش عظيم وبعث لعلي بن راشد المغراوي فالتقيا بالتاغية واتفقا على أن أبا ثابت يلقى أبا الحسن ، وعليا بن راشد يلقى الناصر ، فكان مصاف القتال بتيغرين وحصلت الحروب الشديدة التي يشيب لها رأس الوليد انهزم فيها المغراوي وثبت أبو ثابت إلى أن هزم أبا الحسن وقتل ولده الناصر وأعيانه ، ولو لا ظلام الليل ما نجا أبو الحسن ودخل وزمار بن عريف بأبي الحسن للصحراء إلى أن وصل لسجلماسة وذهب مغرّبا ورجع أبو ثابت بالظفر والغنيمة.
ثم قتل مغراوة بعض بني عبد الوادي غيلة فتوجه لهم أبو ثابت وهم بالجبل المطل على تنس وهجم عليهم ففرّ علي بن راشد لتنس واقتحمها عليه فذبح عليّ نفسه وبه انقرض ملك بني ثابت بن منديل واستولى أبو ثابت على بركش والمدية ومليانة والجزائر ورجع لتلمسان وكتب له أبو عنان المريني على الإقلاع عليهم فأبى وسمع بموت علي بن راشد فأنف وتحرك لتلمسان ولقيه أبو سعد وأبو ثابت بجيش بلغ منه الإعجاب بأنڨاد ونزلوا بسلى فكان مصاف القتال بوادي القصب ولما حمى الوطيس خدعت بنو عامر على عادتهم الذميمة وجرّت الهزيمة عل أبي سعيد وكبّ به فرسه فأخذ وقتل يوم السبت حادي عشرين جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة(1) واستمرّ  أبو ثابت لتلمسان فأقام بها يوما ولحق  بالجزائر فاجتمع عنده جيش عظيم ورجع به مغربا لعدوه فكان مصاف القتال بوادي شلف فوقعت حروب يشيب لها الرضيع ونكص بنو مرين الأعقاب فحمل وزمار ابن عريف السويدي على أبي ثابت فردّهم على أعقابهم وحصلت الهزيمة ففرّ أبو ثابت وأبو حمّ موسى والوزير يحيى بن داوود مشرقين في ثياب التنكّر فأرصدهم صاحب بجاية وأخذهم حولها فقال لهم الآخذون من هو أبو ثابت منكم فتقدم أبو حمّ وقال أنا فأطلقوا غيري فورد عليهم من يعرف أبا ثابت وهو وزمار بن عريف السويدي فحملهم إلى أبي عنان المريني فقال أبو عنان لأبي ثابت كيف رأيتم أبطال بني مرين فقال أبو ثابت أعانكم السعد وأما الرجلة غلبناكم فيها فدفعه لبني جرار فقتلوه قصاصا ثالث عشر رمضان تلك السنة (1)وذهب أبو حمّ لتونس فاستقرّ بها عند أبي إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى زكرياء الحفصي في نعمة شاملة إلى أن كان ما يأتي ذكره
__________________
(1) الموافق 5 جويلية 1352 م.

عودة وهران للدولة المرينية
ثم رجع ملك وهران للدولة السادسة وهي المرينية فملكها أبو عنان وذلك أن أبا الحسن لما رجع للمغرب حصل الخلل بينه وبين ابنه أبي عنان على الخلافة وغلبه ابنه على ذلك إلى أن عهد له بها فرجع له ابنه وتوفي سنة اثنين وخمسين من الثامن (2)ودفن بسلا. وسبب موته أنه لما رجع من مقاتلة ابنه ابن عنان تمرّض. ففصد لإزالة الدم واغتسل بالماء قصد الطهارة فتورّم ومات بعد أيام قليلة وهو الذي شيّد بناء جامع سيدي أبي مدين ، وبنى جامع سيدي الحلوى. ولما مات تولّى أبو عنان فارس بن أبي الحسن بموضع أبيه وشرع في تدويخ المغرب وتمهيده ثم غزى تلمسان سنة أربع وخمسين من الثامن (3) فحاصرها شديدا إلى أن دخلها عنوة وطرد عنها سلطانها صاحب الحرب أبا ثابت للمشرق ثم قتله بعد الظفر به وذبح سلطانها صاحب الأمر أبا سعيد بإفتاء الفقهاء له بذلك وخرّب تلمسان فحرثها غلام أسود على ثورين أسودين تلك السّنة. ثم تخطّا لوهران فملكها أيضا. وقد قال موسى بن صالح الكاهن المعروف عند الناس بموسى ، وصالح المشهور بالكهانة ، إن تلمسان تحرث فكان كما قال وكان هذا الكاهن يسكن ببرابرة غمرة وأرضهم من المشتل إلى الزّاب. قال ابن خلدون : «واختلف الناس في أمره فبعضهم يقول بكهانته وبعضهم يقول بولايته ولا صحة لخبره ه» وقول الحافظ أبي راس في عجائب الأسفار : إن تلمسان حرثت سنة ستين من الثامن سبق قلم لأن أبا عنان كان ميتا في الستين
__________________
(1) الموافق 23 أكتوبر 1352 م.
(2) الموافق 1351 ـ 1352 م.
(3) الموافق 1353 ـ 1354 م.

وكانت تلمسان معمورة وهي حرثت في حياته وقت تخريبه لها. وكان أبو عنان عالما كبيرا يقرأ القرآن بالسبع (1). وقال الحافظ أبو راس في الشماريخ : أنه كان يقرؤه بالعشر ، وأن أباه كان يقرأه (كذا) بالسبع وكان أديبا كثير الاعتناء بشعر ابن خميس التلمساني فهو علم الأعلام ، ومستخدم السيف والأقلام ، وله بطش وبغض شديد في الأمور حتى أنه حبس الإمام ابن مرزوق الخطيب لاتهامه في تقصيره خطبة حفصة بنت سلطان تونس حتى قدم عليه شيوخ إفريقية بالخراج فقالوا له سمعنا في بلادنا أنك حبست عالما كبيرا فأمر بإطلاقه وقيل أطلق بعد موته وهو أول من اعتنى بتعظيم المولد النبوي في البلاد الغربية فاقتدى به أبو حمّ موسى بن يوسف الزياني أحد الأعياص وبنوا حفص بتونس لا سيما أبو فارس عبد العزيز الحفصي وتوفي يوم الأربعاء رابع عشرين ذي الحجة الحرام سنة تسع وخمسين من الثامن (2) وقد عاهد بالملك لابنه أبي زيان فأبى أهل المجلس ذلك وعقدوا البيعة لأخيه السعيد ابن أبي عنان وكان صغيرا ابن خمس سنين وجزموا على الفتك بأبي زيان فأجبروه على البيعة لأخيه فبايع له وتلفت مهجته. واستقل بالأمر الحسن بن عمر كافل الخليفة السعيد بن أبي عنان فصارت الخلافة للسعيد وبقي تسعة أشعر ثم خلعه منها عمه أبو سالم إبراهيم بن أبي الحسن المريني في منتصف شعبان سنة ستين من الثامن (3).

__________________
(1) يقصد أنه كان يقرأ القرآن بالروايات السبع المشهورة والعشر كذلك.
(2) الموافق 27 نوفمبر 1358 م.
(3) الموافق 12 جويلية 1359 م.


عودة وهران للدولة الخامسة الزيانية
ثم رجع ملك وهران للدولة الخامسة الزيانية فملكها أبو حمّ موسى ابن يوسف الزياني وذلك أنه لما خلص من واقعة أبي عنان وذهب لتونس  فاستقر  بها عند الملك الحفصي أبي إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى زكرياء في نعمة شاملة إلى أن جاءه من المغرب سقير بن عامر الهلالي رئيس بني عامر بقبيله
ومعه مغراوة فجاؤوا مغرّبين به لجبل عياض ومنه للزاب وريغة ووارقلا وجبل مزاب وواد زرقون وغزوا أولاد عريف ساروا إليهم عشرة أيام بلياليها فصبحوهم بواد ملّال فاستباحوا مالهم وقتلوا كثيرا من رجالهم من جملتهم عثمان ابن وزمار بن عريف السويدي فهذه الواقعة هي باكورة السّعد. ثم جاءهم البشير بموت أبي عنان فاستبشروا بنيل المراد. ثم بايعوه في خامس محرم سنة ستين من الثامن (1) وجاؤوا مغربين إلى أن وصلوا إلى مكرّة فسمع أهل وطن تلمسان فأتوه من كل حدب ينسلون ثم زادوا لتلمسان وبها محمد بن أبي عنان فنزلها وحاصرها ثم دخل أقادير بعد حروب فسأل منه بنوا مرين الأمان فأمّنوا وأسلموا البلد. وبايعوا أبا حمّ فدخلها بعد صلاة ظهر يوم الخميس غرة ربيع الأول تلك السنة (2) ولما جلس على كرسي المملكة أنشأ يقول قصيدته الميمية التي من الطويل الذاكر فيها أحواله من حين مجيئه من تونس إلى حال دخوله تلمسان مطلعها :
جرت أدمعي بين الرّسوم الطّواسم 
لما شطحتها من هبوب الرّواكم 
وقفت بها مستفهما لخطابها
وأي خطاب للصعاب الصلادم 
وانظر تمامها في الدر والعقيان ، أو بغية الرواد ، أو زهر البستان ، أو دليل الحيران ، أو لباب اللباب ، وكان أهم ما بدأ به الإحسان إلى أنصار الدولة ثم لوفود التهنئة ثم التفت إلى قبيله فاستركب منهم في يوم واحد ألفي فارس وضبط ملكه وأسّسه واجتمع بأبيه أبي يعقوب وابنه أبي تاشفين في عام الستين من الثامن فجهّز لأبيه جيشا دوّخ به المشرق وأخذ يحيى البطيوي بوانسريس أخذا وبيلا وفتح المدية ومليانة عنوة وأسر ما فيها من شيعة بني مرين واصطلح مع أبي سالم المريني لما أفضت الخلافة إليه في عام الستين المار وجهز لابنه أبي تاشفين في عام إحدى وستين من الثامن  جيشا (3) لحرب أبي زيان بن أبي يحيى الراشدي ففرّ أبو زيان واستولى أبو تاشفين على المال والذراري ، ولوزيره أبي محمد
__________________
(1) الموافق 7 ديسمبر 1358 م.
(2) الموافق 31 جانفي 1359 م.
(3) الموافق 1359 ـ 1360 م.

عبد الله بن مسلم جيشا لحرب محمد بن عثمان فهزمه الوزير هزيمة بليغة وجاءته البشارتان بالهزيمتين وفيها بايعته أهل البطحاء ، ومستغانيم ومزغران وجهز جيشا بعثه مع وزيره موسى بن برغوث لفتح وهران فكانت الدائرة على وزيره وهر جيشه وكبّ به فرسه فأخذ أسيرا وبعث به للمغرب وحرك عليه فيها أبو سالم المريني بجنود كالجراد المنتشر فدخل تلمسان وخرج أبو حمّ وتوجه للمغرب فدوّخه وبعد أربعين يوما فتح تلمسان من يد أبي سالم ودوّخ بني وطاط كثيرا ومات في تلك الواقعة سقير بن عامر فحمله بجنازة الملوك ودفنه بالعبّاد وكان في موته راحة له لأنه خادعه غفلة وأراد غدره لميله لبني مرين فأراحه الله منه وتلك عادة بني عامر بكبيرهم وصغيرهم. ثم نهض للجبهة الشرقية فدوّخها وفي سنة اثنين وستين من الثامن (1)فتح وهران عنوة على يد أبي موسى عمران فارس الولادي وسلّم له أبو سالم المريني الجزائر فاجتمعت له الجهة الشرقية وجاءه محمد بن موسى اليزناسي طريدا فآواه وأحسن إليه ولله درّ القائل :
تطاول دائي فاستفزّ منامي 
وطال سهادي واستطال سقامي 
وحرمت سبعا ليس للنفس بعدها
مقام بطيب وجدّ حزامي 
منامي وعقلي والفؤادي وعبرتي 
وقلبي ولبّي والتذاذ طعامي 
واصطلح مع أبي سالم المريني أمير المغرب فردّ كلّ واحد الأسارى لصاحبه وذهب وزيره أبو محمد عبد الله بن مسلم للجهة الشرقية فمهدها ومات والده أبو يعقوب بالجزائر في شعبان تلك السنة فحمله ودفنه بباب أيلان وبنى عليه المدرسة اليعقوبية ونقله لجوار أخويه أبي سعيد وأبي ثابت ولما كملت المدرسة نقل الثلاثة لها وجعل أطعمة ورتب أوقافا ، وأتاه خالد بن عامر صحبة محمد بن عمر للاختلاس فبعث لهما ابنه أبا تاشفين وعمران بن موسى فهزمهما ببني ورنيد ورجع أبو تاشفين منصورا ، وفي أربع وستين (2) من الثامن  جهز جيشا كثيفا لوزيره وأمره بطرد أبي زيان الراشدي أو الفتك به وبخالد  ابن عامر القاتل لأخيه شعيب بن عامر غدرا ففرّا وأطردا عن الوطن.
__________________
(1) الموافق 1360 ـ 1361 م.
(2) الموافق 1362 ـ 1363 م.

وفي خمس وستين منه (1) جهز لوزيره جيشا لإطراد المنافقين فأزعجهم إلى المسيلة ومات وولّى بموضعه أخاه عثمان بن مسلم فاجتمعت عليه الحشود فأرسل ابنه أبا تاشفين ثم لحقه في جيشه ولما حل بالبطحاء نزل العدوّ بغليزان ووقع الحرب بينهما يوما كاملا وأبو حمّ بمحلته ينظر ففرّ عنه الناس ولم يشعر إلى أن وجد نفسه منفردا بخاصته فارتحل لحضرته وتكالب عليه العدو وزاد معه إلى سيق كأنه جراد منتشر واشتدّ القتال في الثنية فقطع رأس بعض أعيانهم فرجعوا منهزمين وذهب لحضرته. ولقد انتكب ثلاث نكبات : واحدة بناحية بجاية ، والأخرى بتسكاله ، وأخرى بوانسريس ، والأمر لله وحده. وفي سنة ست وستين منه (2) اجتمعت عليه العرب لأمر لم يرده الله فذهبوا خائبين وأذعنوا بالطاعة ، وأتى سويد لبابه الكريم يتلمسون الرضى فأصفح عنهم وعفا ، وحضرت ليلة الميلاد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام فاحتفل لها كعادته وأنشد قصيدته الجيمية المسمّاة بالمنفرجة المحتوية على أربعين بيتا من بحر البسيط مطلعها بتمامها للفائدة فيها بالتوسل :
يا من يجيب دعا المضطر في الدّيج 
ويكشف الكرب عند الضيق والهرج 
ولطف رحمته يأتي على قنط
إذا القنوط دعا يا أزمة الفرج 
ومن إذا حلّ خطب واعترى توب 
أبدا (كذا) من اللطف ما لم يجر في المهج 
إني دعوتك جنح الليل يا املي 
دعاء مبتهل بالعفو مبتهج 
يا كاشف الضر عن أيوب حين دعا
قد مسّني الضر فاكشف ضرّ كل شجّ 
أنت المنجي لنوح في سفينته 
ومخرج يونس من ضيقة اللّجج 
يا من وقى يوسف الصّديق كلّ أذى 
لما رموه بجبّ ضيّق حرج 
أجاب يعقوب لمّا أن بكا وشكا
وجاءه منه لطف لم يخله يج 
وعاد بعد بصيرا حين هبّ له 
نسيم نشر القميص الطّيب الأرج 
نجّا من النّار إبراهيم حين رمي 
فيها وعادت سلاما دون ما وهج 
يا من تكفّل موسى وهو منتبذ
باليمّ في جوف تابوت على لجج 
__________________
(1) الموافق 1363 ـ 1364 م.
(2) الموافق 1364 ـ 1365 م.

يا من أعاد لللّام بعد ما يئست 
موسى وقرّبه في المرسلين نج 

يا من كفى المصطفى كيد الذي كفروا
إذ جاءهم بكتاب غير ذي عوج 

يا من وقاه الرّدا في الغار إذ نسجت 
ببابه عنكبوت خير منتسج 

وكلّ ما حاولوا مكرا به انقلبوا
بالرعب ما بين مكبوت ومرتعج 

من قد أتى رحمة للعالمين وقد
أحيا القلوب بوحي واضح الحجج 

من عطّر الكون طيبا عند مولده 
وأشرق الأفق من نور له بهج 

من أنزلت فيه آيات مطهّرة
أنوارها كمصباح لاح منبلج 

يبلي الجديدين أخلاقا وجدناهما
مع الجديدين في نور وفي بهج 

في طيها كل علم ظلّ مندرجا
وأي علم لديها غير مندرج 

وكم له معجزات ما لها عدد
جلّت عن الحصر من فرد ومزدوج 

عمّت شفاعته للخلق أجمعهم 
فبالوسيلة ترقى أرفع الدّرج 

محمد خير خلق الله قاطبة
نور الهدى وإمام الرسل ذي السّرج 

يا حادي العيس عرّج نحو أربعة
بالله عج بي على ذاك المحلّ عج 

لله قوم إلى معناه قد وصلوا
بالعزم إذ وصلوا الروحة بالدّلج 

ساروا فزاروا وفرط الذنب أقعدني 
وقد مزجت بدمعي دمي ممتزج 

فالجسم منتحل والدمع منهمل 
والقلب مشتعل من حرّه الوهج 

وقد تقلّدت ما لا نستطيع له 
من الخلافة أوهنت قوّى حجج 

يا ربّ عبدك موسى قد دعاك عسى 
تنيله نفحة من نصرك الأرج 

فكن نصيري فقد أصبحت مكتئبا
فالقلب من نكد الأوزار في السيرج 

قد ضقت ذرعا بزلتي وكثرتها
فما اعتذاري إذ ذاك نبت بالحجج 

فكم قطعت من الأيام في لعب 
وفي ضلال وكم ضيعت من حجج 

وفي البطالة لهوا قد مضى عمري 
آه لتضييعه في اللهو والمرج 

وكم عصيتك جهلا ثم تسترني 
وباب فضلك عني غير مرتتج 

منّي الإساءة والإحسان منك بدا
منّي الذنوب وكل العفو منك زج 

كم جدت بالفضل والإحسان منك وكم 
سترت بالفضل عن أفاعلي السمج 

إني سألتك بالسرّ الذي ارتفعت 
به السموات والأراضي لم تمج 

أصلح بفضلك ما قد كان من خلل 
واجبر بحلمك ما قد بان من عوج 

واجعل لنا مخرجا في أثره فرجا                     فكم تعامل بعد الضيق بالفرج

وصل صلاة على المختار من مضر
 وما لاحت الشّهب في الأفق كالسرج









وتحرك لتدويخ المغرب بجميع عساكره شرقا وغربا فنزل جبل دبدوجاس خلال دياره ثم لثنية تيزى ، ثم فرط ، ثم لثنية بلزوز ، وقرية تابريد ، وغارت خيله لتازة ثم كرّ قافلا لتاوريرت فهدم أسوارها وخربها وعاد لحضرته العالية فدخلها سنة سبع وستين منه (1) وصرف إلى كوّر قطره جميع قواده فبعث إلى تجين راشد ابن أبي يحيى ، وإلى منداس ونزمار ، وإلى وانسريس إبراهيم بن محمد ، وإلى شلف عطية بن موسى ، وإلى المدية وادفل بن عبّ ، وإلى تدلس ابن راشد ، وإلى وجدة موسى بن خالد. وحرك عليه في سنة إحدى وسبعين من الثامن (2) أبو فارس عبد العزيز أبي الحسن المريني بجيوش عظيمة فأفرج له عن تلمسان وقصد نحو المشرق بجنوده فدخل لتلمسان أبو بكر بن غازي وزير أبي فارس ثم دخلها أبو فارس المريني في أثره في عاشوراء سنة اثنين وسبعين من الثامن (3) ولما حل بقصر الإمارة ألفى مكتوبا بحائطه هذه الأبيات من شعر أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني ونصّها :
ساكناها ليالي آمنينا
وأياما تسرّ الناظرينا
بناها جدّنا الملك المعلّا
وكنا نحن بعض الوارثينا
فلما أن جلانا الدّهر منها
تركناها لقوم آخرينا
فأمر عبد العزيز بتبديلها فقالوا في تغييرها :
سكنّاها ليالي خائفينا
وأياما تسوء الناظرينا
بناها جدّنا شيخ المعاصي 
وكنّا نحن شرّ الوارثينا
فلمّا أن جلانا السيف عنها
تركناها لقوم غالبينا
ونظير هذا ما وقع للعلامة الشيخ أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي رضي‌الله‌عنه فإنه لما رأى البيت التي قيلت في مدح مسيلمة الكذاب وهي :
__________________
(1) الموافق 1364 ـ 1366 م.
(2) الموافق 1369 ـ 1370 م.
(3) الموافق 4 أوت 1370 م.


علوت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا
وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
أبدلها بقوله :
سفلت بالكفر يا ابن الأرذلين أبا
وأنت شرّ الورى لا زلت شيطانا
قال التنسي في نظم الدر والعقيان : وما قاله المولى أبو حمّ وقيل فيه من الشعر فكثير. وأما حروبه ووقائعه في العرب وزناتة وسوق عمال بني مرين إليه في السلاسل وحركته إلى بلادهم وتحركه عليهم وما كان بينه وبينهم من الوقائع ، فأمر لا يحاط به. وقد تولى ذلك صاحب بغية الرواد وصاحب زهر البستان ه.
وكان رحمه‌الله له اعتناء بالعلم وأهله في الغاية. وفي وقته كان شريف العلماء وعالم الشرفاء أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن يحيى بن محمد بن القاسم ابن حمّو فكان له محبا ومعظما ودرّس التفسير بالمدرسة اليعقوبية وحضر الخليفة أبو حمّ للختم وأطعم الناس فكان موسما عظيما. وقول الحافظ أبي راس في عجائب الأسفار أن أبا عبد الله الشريف وابني الإمام أبا زيد وأبا موسى وفدوا على أبي حمّ موسى بن يوسف فإنه صحيح بالنسبة لشريف العلماء ، وسبق قلم بالنسبة لابني الإمام لأنهما كانا في وقت أبي حم الأول في الوفود ، لا الثاني فكلامه فيه تلفيف رحمه‌الله وصنف رضي‌الله‌عنه كتابا أدبيا لولده خليفة عهده أبي تاشفين سمّاه : نظم السلوك في سياسة الملوك ، أتى فيه بالعجب العجاب (1) وأودعه من رائق نظمه ما يزري بأولي الألباب. ثم حصلت السعاية الخبيثة بينه وبين ولده أبي تاشفين الخليفة من بعده فعمد أبو تاشفين لأبيه أبي حمّ وخلعه من الملك وأسكنه بعض حجر القصر ووكّل به من لا يدعه يخرج ثم استلبه من الأموال والذخائر وبعثه لقصبة وهران فاعتقله بها واعتقل سائر إخوته بتلمسان ثم  قتلهم  سنة ثمان وثمانين من الثامن (2) وبعث لأبيه بوهران من يقتله فأغلق الباب في وجوههم وصعد لجدران القصبة واستصرخ أهل البلد فأتوه من كل جهة وتدلّى لهم بعمامته والرهط واقف بباب القصبة فسألوا الأمان وطلبوا النجاة واجتمع أهل البلد عليه
__________________
(1) حقق هذا الكتاب ونشره الأستاذ عبد الحميد حاجيات ضمن كتابه : أبو حمو موسى الثاني.
(2) الموافق 1386 ـ 1387 م.


وجدّدوا له البيعة وارتحل من حينه لتلمسان فدخلها أوائل سنة تسع وثمانين منه (1)وأقام بملكه فسمع ابنه أبو تاشفين وهو بتيطرى فجاءه مغلغلا قبل تمام الأمر فدخل عليه وأحيط به ففرّ للصومعة واستعصم فسأل عنه فأخبر به فأخرجه منها وأدركه الندم وبكى ثم عاد به للقصر وربطه مع حجرة أعوذ بالله من هذا العقوق فخلع أبوه نفسه وسلم له في الملك وسأل منه التوجه للمشرق في البحر بقصد الحج فجاء به لوهران وركبه من مرساها مع نصارى القطلان مكبّلا للإسكندرية فلما وصل بجاية سأل من رايس السفينة إخراجه لها فأخرجه ولما حلّ بها جددت له البيعة وجاء متوجها لتلمسان مستجيشا كل من ببلدة الشرقية من عرب وزناتة ثم ذهب مع الصحراء إلى ناحية المغرب فنزل بوادي زا ثم جاء لتلمسان وفرّ أبو تاشفين أمامه لفاس خائفا عاديته لأمور وقعت منه في إخوته فاستجاش بني مرين فبعث معه السلطان أبو العباس أحمد المريني زيان بن محمد الوطاسي بجيوش عظيمة وجاءوا لتلمسان فلقيهم أبو حمّ بجيشه بجبل بني ورنيد فاقتتلوا شديدا وكبّ به فرسه فاستشهد رحمه‌الله بموضع يقال له الغيران من بني ورنيد غرة ذي الحجة الحرام سنة إحدى وتسعين وسبعمائة (2) عن ثمان وستين سنة بعد ما ملك إحدى وثلاثين سنة. وهذا العجب الكبير في ملوك بني زيان كل خليفة اسمه أبو حمّ يقتله ولده اسمه أبو تاشفين على الرئاسة. ثم ابنه أبو تاشفين عبد الرحمن بن أبي حم موسى بن يوسف الزياني أحد الأعياص فهو تاسع الزيانيين وثالث عشر القاسميين. فاستقرّ في الملك ودوخ البربر والعربان وملك من ملوية إلى جبل الزبان. وكان عين الجود والكرم ومعدن النزاهة وعلو  الهمم ، فهو ليث النزال ، وغيث النوال ،  فشمل الرعية عدله وأمانه ، وعمهم فضله وامتنانه وتوفي على سرير ملك سابع عشر ربيع الثاني وقيل رمضان سنة خمس وتسعين من الثامن (3).
__________________
(1) الموافق 1387 م.
(2) الموافق 21 نوفمبر 1389 م.
(3) الموافق 2 مارس 1393 م.

عودة وهران للدولة السادسة
ثم رجع ملك وهران للدولة السادسة المرينية فملكها أبو العباس أحمد ابن أبي سالم إبراهيم بن أبي الحسن المريني سلطان المغرب وذلك أنه لما سمع بموت السلطان أبي تاشفين الزياني خرج من فاس لتازة وبعث ابنه أبا فارس لتلمسان فاستولى عليها وأقام بها دعوة أبيه ثم زاد لوهران ومليانة وما وراءها من الجزائر ودلس إلى حدود بجاية فملكها تلك السنة وانقرضت دولة بني عبد الواد من المغرب الأوسط أمدا والله غالب على أمره. ولا زال السلطان أبو العباس بتازة إلى أن اعتراه مرض كان فيه حتفه فتوفي في المحرم سنة ست وتسعين من الثامن (1).
ثم استدعى المرينيون ابنه أبا فارس من تلمسان فلما جاءهم بايعوه بتازة ورجعوا به إلى فاس فاستقل بالملك وتمهد له المغرب ومنه ذهب ما تعلّق بحفظي من ملوك المرينيين إلى أبي سعيد ثم منه إلى محمد بن أبي ظريف بن أبي عنان ثم منه إلى آخر ملوكهم عبد الحق بن أبي سعيد الذي خلعه السيد محمد بن علي بن عمران الإدريسي الجوطي وتولى مكانه سنة خمس وسبعين من التاسع (2) فلذلك لم أذكرهم ولكون وهران خرجت عن ملكهم بالكلية بل لم يملكها إلّا من تقدّم ذكره منهم.
عودة وهران للدولة الخامسة
ثم رجع ملك وهران للدولة الخامسة الزيانية فملكها أبو زيان محمد ابن أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني وبه انقطع ملك بني مرين بالمغرب الأوسط فلم يملكه أحد منهم. وذلك أن أبا تاشفين بن أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني لما توفي على سرير الملك كما مرّ ، تولى بموضعه ابنه أبو ثابت فبقي في الملك أربعين يوما ودخل عليه عمّه أبو الحجاج فاغتاله. ثم تولى عمه أبو الحجاج
__________________
(1) الموافق 1393 ـ 1394 م.
(2) الموافق 1470 ـ 1471 م.


المذكور يوسف بن أبي حم موسى بن يوسف الزياني منسلخ جمادى الأولى سنة خمس وتسعين من الثامن (1) فجنّد الجنود وعقد الألوية والبنود. فلم تسامحه الأيام في ملكه بامتداد الأوان بل أوغرت عليه صدور بني مرين ففوّقوا له سهم أخيه أبي زيان ، فخلعه لعشرة أشهر مضت من أيامه ، وتركته مخاصما مع أحلامه ، وذهب لبني عامر واستقرّ في أمان فوجه له من جرّعه كأس الحمام وكما تدين تدان.
ثم تولى أبو زيان المار غرة ربيع الثاني سنة ست وتسعين من الثامن (2) وتولّع بالعلم فلم تخل حضرته من مناظرة ، ولا عمرت إلّا بمذاكرة ومحاضرة ، فلاحت للعلم في أيامه شموس ، وارتاحت للاستغراق فيه نفوس بعد نفوس ، وصنّف كتابا نحا فيه منحا التصوف سمّاه : كتاب الإشارة في حكم العقل بين النفسين المطمئنة والأمارة ، ونسخ بيده نسخا من القرآن ونسخا من الشفا لأبي الفضل القاضي عياض ونسخة من صحيح البخاري وحبّسها كلّها بخزانته التي بمقدّم الجامع الأعظم بتلمسان وأتته هدية من ملك مصر أبي سعيد برقوق فوجّه له هدية جليلة ومعها قصيدة لامية من نظمه عدد أبياتها خمس وستون بيتا مطلعها :
لمن الركاب سيرهنّ خميل 
فالصّبر إليّ بعدهنّ جميل 
وانظر تمامها في نظم الدرر والعقيان للتنسي ، ولم يزل في دار ملكه مطاعا مديد الاطناب ، مهابا مرهوب الجناب ، إلى سنة واحد من التاسع (3) تحرك عليه لتلافته ، أخوه أبو محمد عبد الله مستجيشا ببني مرين وكثيرا من أهل الوطن ففرّ منه وانخلع من خلافته ، وتوجه للمشرق يلتمس معينا أو منجدا ويطلب ناصرا ومؤيدا ، والدهر يمنيه بالآمال المكذوب ويعده مواعد عرقوب. وهو في العرب والبرابر يتقلب من فئة لفئة ، ودام إلى سنة خمس وثمانمائة (4) سنة ، فاغتاله محمد ابن مسعود الوعزاني بعد أن أظهر له الخدمة ، وقتله في بيته منتهكا منه أعظم الحرمة فعاجله الله بانتهاكها بأعظم النعمة والشدّة ، وكانت مدته خمس سنين بالعدة.
ثم أخوه أبو محمد عبد الله بن أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني فخافه أرباب دولته ، وشرفت به بنوا مرين بعد أن كانوا من شيعته ، فدبّر  الجميع في خلعه أمرا أبرموه بالليل فلم يشعر إلى أن دهمته في مملكته من مرين الرجال والخيل فأسلمته أحبابه الذين ركن إليهم ، وكان يعوّل في المهمات عليهم فاعتقل وأخرج في هيئة توجب النحيس والغولة وعوض مكانه محمد بن خولة ، وحمل من حينه للمغرب وحيدا ، مستوحشا فقيدا
__________________
(1) الموافق 13 أبريل 1393 م.
(2) الموافق 3 فيفري 1394 م.
(3) الموافق 1398 ـ 1399 م.
(4) الموافق 1402 ـ 1403 م.

. ثم أبو عبد الله محمد بن خولة ابن أبي حمّ بن يوسف البارع سنة أربعة من التاسع (1) فكانت أيامه خير أيام ، ودولته خير دولة وعزّ وإحكام فهو عقدهم الثمين ومغناهم التام المكين. ولما توفي في ثالث عشر من التاس (2) بإثبات كتب على قبره هذه الأبيات الثلاثة :
يا زائرين لقبري فيقوا
يسكن في القبر زائرا ومزورا
تركنا ما قد كسبنا تراثا
وسكنّا بعد القصور قبورا
يا إله الخلق فالطف بعبد
عاد بعد الغنا إليك فقيرا
ثم ابنه أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن أبي حمّ موسى وهو ممّن لم تمد له الأزمان. ولا كان له عليها معوان ، ولا ساعده على ما تقلّده إخوان ، فانقض عليه عمه السعيد ليث العرين المفلت من أشراك بني مرين ، وهجم عليه في قصر إمارته وخلعه لشهرين وأيام من ولايته ، فصح فيه قول الشاعر من البسيط ، المقتضى لكل معنى مركب وبسيط :
لا تطمئن إلى حظّ حظيت به 
ولا تقل باغترار صحّ لي وثبت 
فما الليالي وإن أعطت مقادتها
إلّا عدا المرء مهما استمكنت وثبت 
ثم عمه السعيد بن أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني فوجد حضرة الملك مملوءة معمّمة ، من بدرات نقود متمّمة وسلع مرزّمة ، وعتاق خيل مسوّمة ، وجالت فيها يد الجود إلى أن صيرته للعدم بعد الوجود ، وبقي في أثوابه رافلا وعن عواقب أموره غافلا إذا بأهل فاس من كل معاند وجّهوا له غفلة أخاه عبد الواحد ، بعد ما مكث خمسة أشهر ونصفا فأسرع به أخوه تلفا وخرج السعيد للقائه. وكان ذلك سببا لشقائه ولما استقر في بسيط / واحد أدلج ليلا عبد الواحد بعد إبرامه الأمر مع الرؤساء والرعية فأدخلته البلد ليلا جماعة الرحويّة ، وأقام لهم النذيرة على الأسوار مشاعيل النيران علامة لمن هو بالمحلة على الإقامة ، ولما سمعوا أصحاب السعيد انصرفوا عنه وبقي كالوحيد ولم يتأمل في السابق قول الشاعر القائل بتحذيره لكل عارف ماهر :
إنّ الليالي لم تحسن إلى أحد
إلّا أساءت إليه بعد إحسان 

__________________
(1) الموافق 1401 ـ 1402 م.
(2) الموافق 1410 ـ 1411 م.


ثم أخوه الهمام الماجد أبو مالك عبد الواحد بن أبي حمّ ، موسى الشائع ، سادس عشر رجب سنة أربعة عشر من القرن التاسع (1) فنفق في أيامه سوق الأدب ، وجاء بنوه إليه ينسلون من كل حدب ، فينقلبون بخير الحقائب ظافرين بجزيل الرغائب. ولما قصده من الأندلس محمد بن أبي طريق بن أبي عنان المريني قال له وقت التسليم والاقتباس أنا في حسب يغمراسن بن زيان حتى تعينني على فاس ، فقال له وصلت وجهز له الجيوش وأعطاه الأموال وآلة الملك وأرسل معه العمال حتى استولى على فاس وملكه في قصّته المشهورة ، ودوّخ مملكة المغرب الأقصى ، فكانت من مناقبه المأثورة ، واستمرّ عبد الواحد في الملك إلى سنة سبع وعشرين وثمانمائة (2) فخلعه ابن أخيه محمد بن أبي تاشفين المعروف بابن الحمرا على يد أبي فارس الحفصي صاحب تونس فخرج من تلمسان متوجها للغرب. ثم ابن أخيه أبو عبد الله محمد بن أبي تاشفين بن أبي حمّ موسى بن يوسف فقابل الدّهر أيامه بالإسعاد ، حتى صارت كالمواسم والأعياد. ثم فسد ما بينه وبين أبي فارس فأبدل سعيده بالناحس. وسببه أن عبد الواحد لما توجه للمغرب حاول الحركة لتلمسان ، فلم يتمّ له الأمر ولم يكن المعان ، ووجه ابنه لتونس عند أبي فارس فأكرمه وكتب معه لأبيه بالقدوم فأرصده أبو عبد الله وأوتي به إليه فقتله ونظر مكاتب التونسي فهذا سبب الأمر مع ما تقدم بينهما من الكلام. ثم توجه عبد الواحد لتونس وواعده الحفصي بالانتصار وهو ذاهب للجريد فاستعمل ابن أبي حامد وزير عبد الواحد مكاتب على ألسنة رؤساء الوطن يسألونه القدوم نحوهم وذهب بها لأبي فارس وقال له أنّ أهل بلدنا يحبوننا وإذا كانت رائحتك معنا ولو فارسا نلنا المراد وهذه مكاتبتهم فأراها له
فقال له نحن متحركون وإذا وصلنا لقسنطينة بعثنا معكم قائدها جاء الخير فرجع الوزير لعبد الواحد وأخبره فقال له هلكتنا فقال له أن الحفصي قد أفسد في المرة الأولى أموالا ولم يدرك شيئا منها وإذا ذهب معنا صاحبه فإن ربح فذلك وإن خسر فيأتي لثأر ما ضاع له فبعث معهم العلج وأخذ أخذا شنيعا فتحرك أبو فارس مع عبد الواحد وحصر تلمسان شديدا فخرج أبو عبد الله لجهة الغرب ودخلها عبد الواحد ورجع التونسي لبلده وبقي أبو عبد الله في الجهة الغربية ثم توجه للشرقية فدخل بركش وتنس ثم توجّه لتلمسان في جيش عظيم فدخلها وفرّ عبد الواحد صبيحة تلك الليلة فطلع عليه النهار ونزل على جواده ودخل شيشة بقرب باب كشوط بالمطمر فنظرته عجوز من أكابر عبد الوادي فدخلت عليه وجرّدته من ثيابه وصاحت بعبد الواد فدخلوا عليه وذبحوه وجرّوه إلى حمام الطبول ورموه هنالك.
__________________
(1) الموافق 1411 ـ 1412 م.
(2) الموافق 1423 ـ 1424 م.


ولما استقرّ أبو عبد الله بحضرة ملكه وجّه عماله للنواحي فطار الخبر لأبي فارس فحرك له من فوره ولما قرب تلمسان خرج أبو عبد الله وذهب لبني يزناسن فأقام أبو فارس بعض قواده الأعلاج بتلمسان ولحقه لبني يزناسن وحاصره فزيّن له بعض أصحابه الرجوع لأبي فارس فرجع وأظهر له أبو فارس السرور والبشرى والترحب ثم قبض عليه وعلى أصحابه فكان آخر العهد بهم ثم رجع أبو فارس لتلمسان وأخذ مشرقا فقيل له من يقوم بها فقال ما لها إلّا أحمد العاقل فأخرج منها عامله وانصرف للشرق.
ثم الماجد الفاضل الحليم الكامل التحرير الباسل ، أبو العباس أحمد العاقل بن أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني فأظهر العدل في الرعيّة ، وسار فيما تملكه بالسيرة المحمودة المرضيّة وبانت شهامته ونجدته ، وقوّته وشدّته ، ثم عجز عن النهوض وكلّ ، وتلاشى ماله واضمحلّ واستولى المتغلبون على  الأوطان ، وعثوا الثّرى زناتة والعربان ، ودامت دولته على هذه الحالة اثنين وثلاثين سنة حتى استوفت أيامه المكتوبة بأتمّ سنة. فقام عليه أخوه أبو يحيى زكرياء ابن أبي حمّ موسى بن يوسف سنة ثمان وثلاثين من التاسع (1) فبايعه موسى ابن حمزة وسليمان بن موسى وعبد الله بن عثمان وتوجه لتلمسان فلم يتم له المراد ، وانعطف بوهران ، فاستولى عليها وكانت بينه وبين أخيه أحمد العاقل حروب استمرت بيده إلى سنة اثنين وخمسين من التاسع (2) فاقتحمها عمّال أخيه أحمد ودخلوها فهرب أبو يحيى في البحر بما خفّ ونزل ببجاية ثم زاد لتونس إلى أن مات بها. وقام عليه أيضا حفيد أخيه وهو أبو زيان محمد المستعين بن أبي ثابت بن أبي تاشفين بن أبي حم في أواخر إحدى وأربعين من التاسع (3) من تونس وتوجه للمغرب وبايعه بوطن حمزة أولاد بالليل ثم مليكش ثم ابن عمر موسى أهل أيليلي ، ثم الثعالية وبعض حصين ، ثم زاد للجزائر فحاصرها إلى أن أقرّ بعضها وأذعن البعض فدخلها أولا ابنه المتوكل سنة اثنين وأربعين منه (4) ثم دخلها أبوه المستعين عشية ذلك اليوم وذهب ابنه المتوكل فمهّد متيجة وفتح المدية ومليانة وتنس وخطب له بجميعها استقلالا وقصدته الناس حتى من تلمسان وعظم أمره على أحمد العاقل حتى نسي أمر أخيه أبي يحيى ثم ثقلت وطأته على أهل الجزائر والعرب فقاموا عليه في ثلاث وأربعين منه (5) وحاربوه فاستشهد مع جماعة من أصحابه ونجا ابنه المتوكل لكونه بتنس لأمر أراده الله. وقام عليه أيضا ابن أخيه أحمد بن الناصر بن أبي حمّ موسى سنة خمسين من التاسع (6) مع جماعة فلم ينجح له الأمر وأوتي به لأحمد العاقل فقتله وكان ذلك سبب بناء السور العظيم المدير على القصر الزائد لتلمسان حسنا.
__________________
(1) الموافق 1434 ـ 1435 م.
(2) الموافق 1448 ـ 1449 م.
(3) الموافق 1438 م.
(4) الموافق 1438 ـ 1439 م.
(5) الموافق 1439 ـ 1440 م.
(6) الموافق 1446 ـ 1447 م.

وحرك عليه أبو فارس الحفصي من تونس بالبحر الزاخر من الجيوش ومات قبل أن يصله بوانسريس كما مرّ.
ثم نهض أبو عبد الله محمد المتوكل على الله بن محمد المستعين بن أبي ثابت بن أبي تاشفين بن أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني سنة ست وستين من التاسع (1)من مليانة ثائرا عليه وتوجه للمغرب والنصر يلوح أمامه فاستولى على بني راشد ثم هوارة ثم مستغانيم ومزغران ثم فتح وهران ثم زاد لتلمسان  فأقام عليها يومين ودخلها في الثالث وهرب أحمد العاقل لسيدي أبي مدين فأوتي له به فمنّ عليه وصرفه للأندلس واستقلّ بالملك. ثم حرك عليه أحمد العاقل لما رجع لهذه العدوة في جمع من الناس وحاصره بتلمسان فانتصر عليه المتوكل وعاجله بأمنيته سنة سبع وستين من التاسع (2) ودفنه بالعبّاد ونجا صاحبه محمد ابن غالية بن عبد الرحمن بن أبي عثمان بن أبي تاشفين فبقي في الغوغاء عليه محاصرا للبلد إلى أن قام عليه أهل البلد فقتلوا البعض من جمعه وفرّ الباقي وذهب محمد بن غالية لوجدة واستقرّ بها لقصد الضرر وصار يأتي مرة بعد أخرى للضواحي إلى أن جاء به حتفه مرة مع الأوباش بجبل بني ورنيد فسمع به المتوكل وبعث له جندا وحصل مصاف القتال بالجبل المذكور ووقع القتال الذريع فتفرق الجمع وأوقع الجند فيهم فكان ابن غالية من جملة الصرعى فقتل سنة ثمان وستين من التاسع (3) وجيء برأسه للمتوكل فوضعه في طست أصفر ودعا بمن يعرفه فميزوه وعرفوا عينه ثم جيء من الغد بجسده فدفن مع العاقل بالعبّاد. ونظم الحافظ التنسي في هذه القضية ومدح المتوكل وأولاده قصيدة طائية مشتملة على مائة بيت وأربعة أبيات عدد الكتب المنزلة انتخبها من بحر الطويل مطلعها :
أرقت لدمع من جفوني ينحطّ
كنثر نفيس الدّرّ أن خانه السّمط

__________________
(1) الموافق 1461 ـ 1462 م.
(2) الموافق 1462 ـ 1463 م.
(3) الموافق 1463 ـ 1464 م.


وانظر تمامها في الدر والعقيان للتنسي. وتوفي يوم الأحد ثالث عشر ربيع الثاني سنة إحدى عشر من العاشر (1) بعد ما ملك خمسا وأربعين سنة واثنين وعشرين يوما.
ثم أخوه أبو حمّ ويقال له أبو قلموس (2) عبد الله بن محمد فقام عليه  الإسبانيون وأخذوا من يده وهران ثم الأتراك وأخذوا من يده الجزائر / وغيرها فهو ممن لم يهن له في الملك قرار ، ولا استقرت في المملكة عمارة ولا دار ، آخر ملوك بني زيان الذين يشار إليهم بالملك جسما ، ولمن تغلب عليهم رسما ، وعجز عجزا كليا عن الدفاع ، وصار غير نافذ الكلمة ولا مطاع.
__________________
(1) الموافق 11 سبتمبر 1505 م.
(2) الحقيقة أنه يلقب بأبي قلمون بالنون في الأخير ، وليس بالسين ، وذلك في مختلف المصادر. ولعلّه سبق قلم من المؤلف.

Aucun commentaire:

معسكرات إعادة التجميع، أو كيف عملت فرنسا على تفكيك الأرياف الجزائرية

 حرب التحرير الجزائرية معسكرات إعادة التجميع، أو كيف عملت فرنسا على تفكيك الأرياف الجزائرية خلال حرب الاستقلال، قام الجيش الفرنسي بتجميع سكا...